للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سُئِلَ: ما يُوجِبُ الحَجَّ؟ . قال: "الزَّادُ والرَّاحِلَةُ". قال التِّرْمِذِىُّ (٧): هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وهذا له زَادٌ ورَاحِلَةٌ، ولأنَّ هذا عُذْرٌ يَمْنَعُ نَفْسَ الأداءِ، فلم يَمْنَع الوُجُوبَ كالعَضْبِ (٨)، ولأنَّ إمْكانَ الأداءِ ليس بِشَرْطٍ فى وُجُوبِ العِباداتِ، بِدَلِيلِ ما لو طَهُرَتِ الحَائِضُ، أو بَلَغَ الصَّبِىُّ، أو أفاقَ المَجْنُونُ، ولم يَبْقَ من وَقْتِ الصلاةِ ما يُمْكِنُ أداؤُها فيه، والاسْتِطَاعَةُ مُفَسَّرَةٌ بالزَّادِ والرَّاحِلَةِ، فيَجِبُ المَصِيرُ إلى تَفْسِيرِه، والفَرْقُ بينهما وبين الزَّادِ والرَّاحِلَةِ، أنَّه يَتَعذَّرُ مع فَقْدِهِما الأداءُ دون القَضاءِ، وفَقْدُ الزَّادِ والرَّاحِلَةِ يَتَعَذَّرُ معه الجَمِيعُ، فافْتَرَقَا.

فصل: وإمْكانُ المَسِيرِ مُعْتَبَرٌ بما جَرَتْ به العادَةُ، فلو أَمْكَنَهُ المَسِيرُ بأن يَحْمِلَ على نَفْسِه وَيسِيرَ سَيْرًا يُجاوِزُ العادَةَ، أو يَعْجِزَ عن تَحْصِيلِ آلةِ السَّفَرِ، لم يَلْزَمْهُ السَّعْىُ. وتَخْلِيَةُ الطَّرِيقِ هو أن تكونَ مَسْلُوكةً، لا مانِعَ فيها، بَعِيدَةً كانتْ أو قَرِيبَةً، بَرًّا كان أو بَحْرًا، إذا كان الغالِبُ السَّلامَةَ، فإن لم يَكُنِ الغالِبُ السَّلامَةَ، لم يَلْزَمْهُ سُلُوكُهُ، فإنْ كان فى الطَّرِيقِ عَدُوٌّ يَطْلُبُ خَفارَةً، فقال القاضى: لا يَلْزَمُهُ السَّعْىُ، وإن كانتْ يَسِيرَةً؛ لأنَّها رِشْوَةٌ، فلا يَلْزَمُ بَذْلُهَا فى العِبادَةِ، كالكَبِيرَةِ. وقال ابنُ حامِدٍ: إن كان ذلك مِمَّا لا يُجْحِفُ بمَالِه، لَزِمَهُ الحَجُّ؛ لأنَّها غَرَامَةٌ يَقِفُ إمْكانُ الحَجِّ على بَذْلِها، فلم يَمْنَع الوُجُوبَ مع إمْكَانِ بَذْلِها، كثَمَنِ الماءِ وعَلَفِ البَهائِمِ.

فصل: والاسْتِطاعَةُ المُشْتَرَطَةُ مِلْكُ الزَّادِ والرَّاحِلَةِ. وبه قال الحسنُ، ومُجَاهِدٌ، وسَعِيدُ بن جُبَيْرٍ، والشَّافِعِىُّ، وإسحاقُ. قال التِّرْمِذِىُّ: والعَمَلُ عليه عندَ أهْلِ العِلْمِ. وقال عِكْرِمَةُ: هى الصِّحَّةُ. وقال الضَّحَّاكُ: إن كان شَابًّا


(٧) فى: باب ما جاء فى إيجاب الحج بالزاد والراحلة، من أبواب الحج. عارضة الأحوذى ٤/ ٢٧.
كما أخرجه ابن ماجه، فى: باب ما يوجب الحج، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه ٢/ ٩٦٧.
(٨) العضب: الضعف والزمانة.

<<  <  ج: ص:  >  >>