للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البَرِّ ذلك إجْماعًا. ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ ما قُلْنَاهُ، فإنَّه قال: "لو وَقَفَ بِعَرَفَةَ نَهَارًا ودَفَعَ قبلَ الإِمامِ فعليه دَمٌ". ولَنا، قَوْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هذِهِ، ووَقَف مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ، وقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ، قَبْلَ ذلِكَ لَيْلًا أو نَهَارًا، فَقَدْ تَمَّ حَجُّه، وقَضَى تَفَثَهُ" (٣٨). ولأنَّه من يومِ عَرفَةَ، فكان وَقْتًا لِلْوُقُوفِ، كبَعدِ الزوالِ، وتَرْكُ الوُقُوفِ لا يَمْنَعُ كَوْنَه وَقْتًا لِلْوُقُوفِ، كبَعدِ العِشاءِ. وإنَّما وَقَفُوا في وَقْتِ الفَضِيلَةِ، ولم يَسْتَوْعِبُوا جَمِيعَ وَقْتِ الوُقُوفِ.

فصل: وكيفما حَصَلَ بِعَرَفَةَ، وهو عَاقِلٌ، أَجْزَأَهُ، قَائِمًا أو جَالِسًا أو رَاكِبًا أو نَائِمًا. وإن مَرَّ بها مُجْتَازًا، فلم يَعْلَمْ أنَّها عَرَفَةُ، أَجْزَأَةُ أيضًا. وبه قال مالِكٌ، والشَّافِعِىُّ، وأبو حنيفةَ. وقال أبو ثَوْرٍ: لا يُجْزِئُه؛ لأنَّه لا يكونُ وَاقِفًا إلَّا بإِرَادَةٍ. ولَنا، عُمُومُ قَوْلِه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وَقَدْ أَتَى عَرَفَاتٍ، قَبْلَ ذلِكَ لَيْلًا أو نَهَارًا" (٣٩). ولأنَّه حَصَلَ بِعَرَفَةَ في زمنِ الوُقُوفِ وهو عَاقِلٌ، فأجْزَأهُ، كما لو عَلِمَ، وإن وَقَفَ وهو مُغْمًى عليه أو مَجْنُونٌ، ولم يُفِقْ حتى خرج منها، لم يُجْزِئْهُ. وهو قولُ الحسنِ، والشَّافِعِىِّ، وأبى ثَوْرٍ، وإسحاقَ، وابنِ المُنْذِرِ. وقال عَطاءٌ في المُغْمَى عليه: يُجْزِئُهُ. وهو قَوْلُ مالِكٍ، وأصْحابِ الرَّأْىِ. وقد تَوَقَّفَ أحمدُ، رَحِمَهُ اللهُ، في هذه المَسْأَلَةِ، وقال: الحسنُ يَقُولُ بَطَلَ حَجُّه، وعَطَاءٌ يُرَخِّصُ فيه. وذلك لأنَّه لا يُعْتَبَرُ له نِيّةٌ ولا طَهَارَةٌ. ويَصِحُّ من النَّائِمِ، فصَحَّ من المُغْمَى عليه، كالمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ. ومن نَصَرَ الأَوَّلَ قال: رُكْنًا من أَرْكَان الحَجِّ. فلم يَصِحَّ مِن المُغْمَى عليه، كسائِرِ أرْكانِه. قال ابنُ عَقِيلٍ: والسَّكْرَانُ كالمُغْمَى عليه؛ لأنَّه زَائِلُ العَقْلِ بغيرِ نَوْمٍ، فأشْبَهَ المُغْمَى عليه، وأمَّا النَّائِمُ فَيُجْزِئُه الوُقُوفُ؛ لأنَّه في حُكْمِ المُسْتَيْقِظِ.

فصل: ولا يُشْتَرَطُ لِلْوُقُوفِ طَهارةٌ، ولا سِتَارَةٌ، ولا اسْتِقْبَالٌ، ولا نِيَّةٌ. ولا نَعْلَمُ


(٣٨) تقدم تخريجه من حديث عروة بن مضرس في صفحة ٢٧٣.
(٣٩) تقدم تخريجه في صفحة ٢٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>