للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأنَّ الجُمُعَةَ يَجِبُ السَّعْىُ إليها من مَكَانٍ بَعِيدٍ، فلم تَجِبْ عليه، كالحَجِّ والجِهادِ، ولأنَّه مَمْلُوكُ المَنْفَعَةِ، مَحْبُوسٌ على السَّيِّدِ، أَشْبَهَ المَحْبُوسَ بالدَّيْنِ، ولأنَّها لو وَجَبَتْ عليه لَجازَ له المُضِىُّ إليها مِن غيرِ إذْنِ سَيِّدِه، ولم يكنْ لِسَيِّدِه مَنْعُه منها، كسائِرِ الفَرائِضِ، والآيةُ مَخْصُوصَةٌ بِذَوِى الأعْذارِ، وهذا منهم.

فصل: والمُكَاتَبُ والمُدَبَّرُ حُكْمُهما في ذلك حُكْمُ القِنِّ؛ لِبَقَاءِ الرّقِّ فيهما. وكذلك مَن بعضُه حُرٌّ، فإن حَقَّ سَيِّدِه مُتَعَلِّقٌ به. وكذلك لا يَجِبُ عليه شيءٌ ممَّا يَسْقُطُ عن العَبْدِ.

فصل: إذا أجْمَعَ المُسَافِرُ إقَامَةً تَمْنَعُ القَصْرَ، ولم يُرِد اسْتِيطانَ البَلَدِ، كطالب (١٠) العِلْمِ، أو الرِّباطِ، أو التَّاجِر الذي يُقِيمُ لِبَيْعِ مَتَاعِه، أو مُشْتَرِى شيءٍ لا يُنْجَزُ إلَّا في مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، ففيه وَجْهَانِ: أحَدُهما، تَلْزَمُه الجُمُعَةُ؛ لِعُمُومِ الآيةِ، ودَلَالَةِ الأخْبارِ التي رَوَيْناهَا، فإنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أوْجَبَها إلَّا على الْخَمْسةِ الَّذِينَ اسْتَثْنَاهُم، وليس هذا منهم. والثانى: لا تَجِبُ عليه؛ لأنَّه ليس بمُسْتَوْطِنٍ، والاسْتِيطانُ من شَرْطِ الوُجُوبِ، ولأنَّه لم يَنْوِ الإِقامَةَ في هذا البَلَدِ على الدَّوَامِ، فأشْبَهَ أهْلَ القَرْيَةِ الذين يَسْكُنُوَنها صَيْفًا ويَظْعَنُونَ عنها شِتَاءً، ولأنهم كانوا يُقِيمُونَ السَّنَةَ والسَّنَتَيْنِ لا يُجَمِّعُونَ ولا يُشَرِّقُونَ، أي لا يُصَلُّونَ جُمُعَةً ولا عِيدًا. فإنْ قُلْنا: تَجِبُ الجُمُعَةُ عليه فالظَّاهِرُ أنَّها لا تَنْعَقِدُ به، لِعَدَمِ الاسْتِيطانِ الذي هو مِن شَرْطِ الانْعِقادِ.

فصل: ولا تَجِبُ الجُمُعَةُ على مَن في طَرِيقِه إليها مَطَرٌ يَبُلُّ الثِّيابَ أو وَحَلٌ يَشُقُّ المَشْىُ إليها فيه. وحُكِىَ عن مالِكٍ أنَّه كان لا يَجْعَلُ المَطَرَ عُذْرًا في التَّخَلُّفِ عنها. ولَنا، ما رُوِىَ عن ابنِ عَبَّاسٍ، أنَّه أمَرَ مُؤَذِّنَهُ في يَوْمِ جُمُعَةٍ في يَوْمٍ مَطِيرٍ إذا


= وعزاه الزيلعي في نصب الراية إلى الطبراني بتمامه. انظر: نصب الراية، باب صلاة الجمعة، من كتاب الصلاة. ٢/ ١٩٩.
(١٠) في أ، م: "كطلب".

<<  <  ج: ص:  >  >>