للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بينهم كَسَائِرِ الحُقُوقِ. وإن كان أحَدُهُما يَقُومُ بعمَارةِ المَسْجِدِ وتَعَاهُدِه فهو أَحَقُّ به، وكذلك إنْ رَضِىَ الجِيرَانُ أحَدَهما دُونَ الآخَرِ، قُدِّمَ بذلك. ولا يُقَدَّمُ بِحُسْنِ الوَجْهِ؛ لأنَّه لا مَدْخَلَ له في الإِمَامةِ، ولا أَثرَ له فيها، وهذا كلُّه تَقْدِيمُ اسْتِحْبَابٍ، لا تَقْدِيمُ اشْتِرَاطٍ، ولا إيجَابٍ، لا نَعْلَمُ فيه خِلَافًا، فلو قُدِّمَ المَفْضُولُ كان ذلك جائِزًا؛ لأنَّ الأمْرَ بهذا (١٢) أمْرُ أدَبٍ واسْتِحْبَابٍ.

٢٥١ - مسألة؛ قال: (ومَنْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ يُعْلِنُ بِبِدْعَةٍ، أو يَسْكَرُ، أعَادَ)

الإِعْلانُ الإِظْهارُ، وهو ضِدُّ الإِسْرَارِ. فَظَاهِرُ هذا أنَّ مَن ائْتمَّ بمن يُظْهِرُ بِدْعَتَه، ويَتَكَلَّمُ بها، ويَدْعُو إليها، أو يُنَاظِرُ عليها، فَعليه الإِعادَةُ. ومن لم يُظْهِرْ بِدْعَتَه، فلا إعادةَ على المُؤْتَمِّ به، وإن كان مُعْتَقِدًا لها. قال الأثْرَمُ: قلتُ لأبِى عَبدِ اللهِ: الرَّافِضَةُ الَّذينَ يَتَكَلَّمُونَ بما تَعْرِف؟ فقال: نعم، آمُرُه أَن يُعِيدَ. قيل لأبي عَبدِ اللَّه: وهكذا أهْلُ البِدعِ كُلُّهم؟ قال: لا، إنَّ منهم من يَسْكُتُ، ومنهم مَن يَقِفُ ولا يَتَكَلَّمُ. وقال: لا تُصَلِّ خَلْفَ أحَدٍ من أهل الأهْوَاءِ، إذا كان دَاعِيةً إلى هَوَاهُ. وقال: لا تُصَلِّ خَلْفَ المُرْجِئِ إذا كان دَاعِيَةً. وتَخْصِيصُه الدَّاعِيَةَ، ومن يَتَكَلَّمُ بالإِعَادَةِ، دون من يَقِفُ ولا يَتَكَلَّمُ، يَدُلُّ على ما قُلْنَاهُ. وقال القاضي: المُعْلِنُ بالبِدْعَةِ من يَعْتَقِدُهَا بِدَلِيلٍ، وغيرُ المُعْلِن من يَعْتَقِدُها تَقْلِيدًا. ولَنا، أنَّ حَقِيقَةَ الإِعْلانِ هو الإِظْهارُ، وهو ضِدُّ الإخْفَاءِ والإِسْرَارِ، قال اللهُ تَعالى: {وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} (١) وقال تَعَالَى مُخْبِرًا عن إبْراهيمَ: {رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ} (٢) ولأنَّ المُظْهِرَ لِبِدْعَتِه لا عُذْرَ لِلْمُصَلِّى خَلْفَه؛ لِظُهُورِ


(١٢) في أ، م: "بعد هذا".
(١) سورة التغابن ٤.
(٢) سورة إبراهيم ٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>