للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حالِه، والمُخْفِى لها مَن يُصَلِّى خَلْفَه مَعْذُورٌ، وهذا له أثرٌ في صِحَّةِ الصَّلَاةِ، ولهذا لم تَجِب الإِعَادَةُ خَلْفَ المُحْدِثِ والنَّجِسِ إذا لم يُعْلَمْ حَالُهُما؛ لِخَفاءِ ذلك مِنْهُما. وَوَجَبَتْ على المُصَلِّى خَلْفَ الكافِرِ والأُمِّىِّ؛ لِظُهُورِ حالِهما غالِبًا. وقد رُوِىَ عن أحمدَ، أنَّه لا يُصَلِّى خَلْفَ مُبْتَدِعٍ بِحَالٍ. قال، في رِوَايَةِ أبى الحَارِثِ: لا يُصَلِّى خَلْفَ مُرْجِىءٍ ولا رَافِضىٍّ، ولا فاسِقٍ، إلَّا أن يَخَافَهُم فَيُصَلِّى، ثم يُعِيدُ. وقال أبو دَاوُدَ، قال أحمدُ: متى ما صَلَّيْتَ خَلْفَ من يَقُولُ القُرْآنَ مَخْلُوقٌ. فأَعِدْ. قلتُ: وتَعْرِفُه. قال: نعم. وعن مالِكٍ، أنَّه لا يُصَلِّى خَلْفَ أهْلِ البِدَعِ. فحَصَلَ مِن هذا أنَّ مَن صَلَّى خَلْفَ مُبْتَدِعٍ مُعْلِنٍ بِبِدْعَتِه، فعليه الإِعادةُ. ومن لم يُعْلِنْها ففِى الإِعَادَةِ خَلْفَه رِوَايتانِ. وأبَاحَ الحسنُ، وأبو جعفرٍ، والشَّافِعِىُّ الصلَاةَ خَلْفَ أهْلِ البِدَعِ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صَلُّوا خَلْفَ مَنْ قَالَ لَا إلهَ إلَّا اللهُ". رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِىُّ (٣). ولأنَّه رَجُلٌ صلاتُه صَحِيحَةٌ، فَصَحَّ الائْتِمَامُ به كغَيْرِه. وقال نافِعٌ: كان ابنُ عُمرَ يُصَلِّى مع الخَشَبِيَّةِ (٤) والخَوَارِجِ زَمَنَ ابنِ الزُّبَيْرِ، وهم يَقْتَتِلُونَ. فقِيلَ له: أتُصَلِّى مع هؤلاءِ، ومع هؤلاءِ، وبَعْضُهم يَقْتُلُ بعْضًا؟ فقال: مَن قال: حَىَّ علَى الصَّلَاةِ. أَجَبْتُه، ومَن قال: حَىَّ على الفَلَاحِ. أجَبْتُه، ومَن قال: حَىَّ على قَتْلِ أَخِيكَ المُسْلِم، وأَخْذِ مَالِه. قلتُ: لا. رَوَاهُ سَعِيدٌ. وقال ابنُ المُنْذِرِ، وبعضُ الشَّافِعِيَّةِ: من نُكَفِّرُهُ بِبِدْعَتِه كالذى [يَكْذِبُ على اللَّه أو رسولِهِ] (٥) بِبِدْعَتِه، لا نُصَلِّى خَلْفَه، ومن لا نُكَفِّرهُ


(٣) في: باب صفة من تجوز الصلاة معه والصلاة عليه، من كتاب الصلاة. سنن الدارقطني ٢/ ٥٦ كما أخرجه ابن عدى، في: الكامل ٥/ ١٨٢٣. وانظر فيض القدير ٤/ ٢٠٣ حديث رقم (٥٠٣٠) وعزاه للطبراني، وأبى نعيم في الحلية.
(٤) الخشبية، محركة: قوم من الجهمية يقولون: إن اللَّه تعالى لا يتكلم، وإن القرآن مخلوق. وقال ابن الأثير: هم أصحاب المختار بن أبي عبيد. ويقال: ضرب من الشيعة، قيل: لأنهما حفظوا خشبة زيد بن على حين صلب. والأول أوجه. تاج العروس (الكويت) ٢/ ٣٥٩.
(٥) في م: "يكذب اللَّه ورسوله".

<<  <  ج: ص:  >  >>