للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثَوْرٍ، وأصْحابُ الرَّأْىِ؛ لأنَّ ما كان كذلك، فهو فى حُكْمِ الحَىِّ، بدليلِ أَنَّ عمرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، كانَتْ [جِراحَاتُه مُوحِيَةً] (٦)، فأوْصَى، وأُجِيزَت وَصاياه وأقوالُه فى تلك الحالِ، ولا سَقَطَت عنه الصلاةُ والعباداتُ، ولأنَّه تَرَكَ تذكِيَتَه جمع القُدْرَةِ عليها، فأشْبَهَ غيرَ الصَّيْدِ.

١٧٠٦ - مسألة؛ قال: (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يُذَكِّيهِ بِهِ، أشْلَى الصَّائِدُ لَهُ عَلَيْهِ، حَتَّى يَقْتُلَهُ، فَيُؤْكَلَ)

يعنى: أغْرَى الكَلْبَ به، وأرْسَلَه عليه. ومعنى أشْلَى فى العربيَّةِ: دَعا. [إلَّا أَنَّ] (١) العامَّةَ تسْتعمِلُه بمعنى أَغْراهُ. ويَحْتَمِلُ أنّ الخِرَقِىّ أرادَ دَعاهُ ثمَّ أرْسَلَه؛ لأنَّ إِرْسالَه على الصَّيدِ يَتَضَمَّنُ دُعاءَهُ إليه. واخْتَلَفَ قولُ أحمدَ فى هذه المسأَلَةِ، فعنه مِثْلُ قوْلِ الْخِرَقِىّ. وهو قَوْلُ الحسَن، وإبراهيمَ. وقال فى موضِعٍ: إنِّى لأَقشَعِرُّ من هذا. يعنى أنَّه لا يَراهُ. وهو قولُ أكثرِ أهلِ العلمِ؛ لأنَّه مقدُورٌ عليه، فلم يُبَحْ بقَتْلِ الجارِحِ له، كبَهِيمَةِ الأنعامِ، وكما لو أخَذَه سليمًا. وَوَجْهُ الأُولَى، أنَّه صَيْدٌ قَتَلَه الجارِحُ له من غيرِ إمْكانِ ذَكاتِه، فأُبِيحِ، كما لو أدْرَكَه مَيِّتًا، ولأنَّها حالٌ تَتَعَذرُ فيها الذَّكاةُ فى الحَلْقِ واللَّبّةِ غالبًا، فجازَ أَنْ تكون ذكاتُه على حَسَبِ الإِمْكانِ، كالمُتَرَدِّيَةِ فى بئرٍ. وحُكِىَ عن القاضى، أنَّه قال فى هذا بِتَرْكِه حتى يموتَ، فيحلَّ؛ لأنَّه صَيْدٌ تَعَذَّرَت تَذْكِيَتُه، فأُبِيحَ بمَوْتِه مِنْ عَقْرِ الصَّائِدِ له، كالذى تَعَذَّرَت تَذْكِيَتُه لقِلَّةِ لَبَّتِه. والأَوَّلُ أصَحُّ؛ لأنَّه حيوانٌ لا يُباحُ بغيرِ التَّذْكِيَةِ إذا كان معه آلةُ الذَّكاةِ، فلم يُبَحْ بغيرِها إذا لم يكُنْ معه آلةٌ، كسائِرِ المَقْدُورِ على تَذْكِيَتِهِ. ومسألَةُ الخِرَقِىِّ محمولَةٌ على ما يُخافُ مَوْتُه إنْ لم يقْتُلْه الحيوانُ أو يُذَكَّى، فإن كان به حياةٌ يُمْكِنُ بَقاؤُه إلى أَنْ يأتِىَ به مَنْزِلَهُ، فليس فيه اخْتِلافٌ أنَّه لا يُباحُ إلَّا بالذَكاةِ، لأنَّه مقدورٌ على تَذْكِيَتِهِ.


(٦) فى ب: "جراحته مرجية".
وموحية: مسرعة به إلى الموت.
(١) فى الأصل: "لأن".

<<  <  ج: ص:  >  >>