للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقَتَلَه، واعْتَرفَ بذلك، وجَب القِصاصُ، والكلامُ فيه كالكلامِ في الشاهِدَيْنِ، ولو أنَّ الوَلِيَّ الذي باشرَ قَتْلَه أقَرَّ بعِلْمِه بكَذِبِ الشُّهُودِ، وتَعَمَّدَ قَتْلَه، فعليه القِصاصُ. لا أعلمُ فيه خِلافًا، فإنْ أقَرَّ (٦٥) الشاهِدان والحاكمُ والوَلِيُّ جميعًا بذلك، فعلى الوَلِيِّ القِصاصُ؛ لأنَّه باشَرَ القَتْلَ عَمْدًا عُدْوانًا (٦٦)، ويَنْبَغِى أن لا يجِبَ على غيرِه شيءٌ؛ لأنَّهم متَسَبِّبُونَ، والمباشرَةُ تُبْطِلُ حُكْمَ السَّبَبِ (٦٧)، كالدَّافِعِ مع الحافرِ. ويفارِقُ هذا ما إذا لم يُقِرَّ؛ لأنَّه لم يَثْبُتْ حكمُ مُباشَرَةِ القَتْلِ في حَقِّه ظُلْمًا، فكان وجودُه كعَدَمِه، ويكونُ القِصاصُ على الشاهِدَيْنِ والحاكمِ؛ لأنَّ الجميعَ مُتَسَبِّبونَ. وإن صارَ الأمرُ إلى الدِّيَةِ، فهي عليهم أثْلاثًا. ويَحْتَمِلُ أن يتَعَلَّقَ الحُكمُ بالحاكمِ وحدَه؛ لأنَّ تَسَبُّبَه أخَصُّ من تَسَبُّبِهِم؛ فإنَّ حُكْمَه واسطةٌ بينَ شهادَتِهم وقَتْلِه، فأشْبَهَ المُباشرَ مع المُتَسَبِّبِ. ولو كان الوَلِيُّ المُقرُّ بالتَّعَمُّدِ لم يباشِرِ القتلَ، وإنَّما وَكَّلَ فيه، نَظَرْتَ في الوكيلِ؛ فإن أقَرَّ بالعِلْمِ، وتَعَمَّدَ القَتْلَ ظُلْمًا، فهو القاتلُ وحدَه؛ لأنَّه مباشِرٌ للقَتْلِ عَمْدًا ظُلْمًا من غيرِ إكْراهٍ، فتعلَّقَ الحكمُ به، كما لو أمرَ بالقَتْلِ في غيرِ هذه الصُّورةِ، وإن لم يَعْتَرِفْ بذلك، فالحكم مُتَعَلِّقٌ بالوَلِيِّ، كما لو باشَرَه. واللهُ أعلمُ.

١٤١٧ - مسألة؛ قال: (فَفِيهِ الْقَوَدُ إذَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْأوْليَاءُ، وَكَانَ المَقْتُولُ حُرًّا مُسْلِمًا)

أجْمعَ العلماءُ على أنَّ القَوَدَ لا يجبُ إلَّا بالعَمْدِ، ولا نعلمُ بينهم في وُجُوبِه بالقَتْلِ العَمْدِ إذا اجتمَعتْ شُرُوطُه خِلافًا، وقد دَلّتْ عليه الآياتُ والأخبارُ بعُمُومهِا، فقال اللَّه تعالى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} (١). وقال


(٦٥) في ب، م: "أمر".
(٦٦) في م: "وعدوانا".
(٦٧) في م: "المسبب".
(١) سورة الإسراء ٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>