للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذْنِه، والصَّوْمُ يضرُّ به، فله مَنْعُه؛ ولأنَّ السَّيِّدَ لم يأْذَنْ له فيما أَلْزَمَه نَفْسَه، ممَّا يَتَعَلَّقُ به ضَرَرٌ على السَّيِّدِ، فكان به مَنْعُه وتَحْلِيلُه، كما لو أَحْرَمَ بالحجِّ بغيرِ إذْنِه. ولَنا، أَنَّه صومٌ واجِبٌ لحَقِّ اللَّه تعالى، فلم يكُنْ لسَيِّدِه مَنْعُه منه، كصيامِ رمضانَ وقَضائِه، ويُفارِقُ الحجَّ؛ لأَنَّ ضَرَرَهُ كثيرٌ، لطُولِ مُدَّتِه، وغَيْبَتِه عن سَيِّدِه، وتَفْويتِ خِدْمَتِه، ولهذا مَلَكَ تحليلَ زَوْجَتِه منه، ولم يَمْلِكْ مَنْعَها صَوْمَ الكَفَّارَةِ. فأمَّا صومُ التَّطَوُّعِ، فإن كان فيه ضَرَرٌ عليه، فللسَّيِّدِ مَنْعُه منه؛ لأَنَّه يُفَوِّتُ حَقَّه بما ليس بواجِبٍ عليه، وإِنْ كان لا يَضُرُّ به، لم يكُنْ لسَيِّدِه مَنْعُه منه (١٩)؛ لأنَّه يَعْبُدُ رَبَّه بما لامَضَرَّةَ فيه، فأشْبَهَ ذِكْرَ اللَّه تعالَى، وصلاةَ النَّافِلةِ فى غيرِ وَقْتِ خِدْمَتِه، وللزَّوْجِ منعُ زَوْجَتِه منه فى كُلِّ حالٍ؛ لأنَّه يُفَوِّتُ حَقَّه من الاسْتِمْتاعِ، ويَمْنَعُه منه.

١٨٢٠ - مسألة؛ قال: (وَلَو حَنِثَ وهُوَ عَبْدٌ، فَلَمْ يُكَفِّرْ حَتَّى عَتَقَ (١)، فعَلَيْهِ الصَّوْمُ، لا يُجْزِئُه غَيْرُهُ)

ظاهِرُ هذا أَنَّ الاعْتبارَ فى الكَفَّارَاتِ بحالَةِ الحِنْثِ؛ لأنَّه وَقْتُ الوُجوبِ، وهو حِينَئِدٍ عَبْدٌ، فوَجَبَ عليه الصَّوْمُ، فلا يُجْزِئُه غيرُ ما وَجَبَ عليه. وقال القاضى: هذا فيه نَظَرٌ؛ فإِنَّ المنصوصَ أنَّه يُكَفِّرُ كفَّارَةَ عَبْدٍ؛ لأنَّه إنَّما يُكَفِّرُ ما (٢) وَجَبَ عليه يومَ حَنِثَ، ومَعْناه أنَّه لا يَلْزَمُه التَّكْفِيرُ بالمالِ، فإنْ كَفَّرَ به أجْزَأهُ. وهذا مَنْصوصُ (٣) الشافِعِىِّ، ومِن أصحابِه مَنْ قال كَقَوْلِ (٤) الْخِرَقِىِّ، وليس على الْخِرَقِىِّ حُجَّةٌ مِن كلامِ أحمدَ، بل هو حُجَّةٌ له؛ لقولِه: إنَّما يُكفِّرُ ما وجَبَ عليه. و"إنَّما" للحَصْرِ، تُثْبِتُ المذكورَ وتَنْفِى ما عَداهُ، ولم يجِبْ عليه إِلَّا الصَّومُ، فلا يُكَفِّرُ بغَيْرِه. ووَجْهُ ذلك، أنَّه حكمٌ تعَلَّقَ بالعَبْدِ فى رِقِّهِ، فلم يَتَغَيَّر بحُرِّيَّتِه، كالحَدِّ، وهذا على القولِ الذى لم يَجُزْ فيه للعَبْدِ التَّكْفِيرُ بالمالِ بإذْنِ


(١٩) سقط من: ب.
(١) فى م زيادة: "عليه".
(٢) فى م: "بما".
(٣) فى م زيادة: "عن".
(٤) فى م: "بقول".

<<  <  ج: ص:  >  >>