للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِدَلِيلِ ما لو مَرَّ بِمِيقَاتٍ غيرِ ذِى الحُلَيْفَة، لم يَجُزْ له تَجاوُزُه بغيرِ إحْرَامٍ، بغيرِ خِلافٍ. وقد رَوَى سَعِيدٌ، عن سفيانَ، عن هشامِ بن عُرْوَةَ، عن أبِيه، أنَّ رسولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَّتَ لمَن سَاحَلَ من أهْلِ الشَّامِ الجُحْفَةَ. ولا فَرْقَ بين الحَجِّ والعُمْرَةِ في هذا؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فَهُنَّ لَهُنَّ، ولِمَنْ أتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ، مِمَّنْ كَانَ يُرِيدُ حَجًّا أو عُمْرَةً".

فصل: فإن مَرَّ مِن غيرِ طَرِيقِ ذِى الحُلَيْفَة، فمِيقَاتُه الجُحْفَةُ، سواء كان شَامِيًّا أو مَدَنِيًّا؛ لما رَوَى أبو الزُّبَيْرِ، أنَّه سَمِعَ جابِرًا يُسْأَلُ عن الْمُهَلِّ، فقال: سَمِعْتُه -أَحْسَبُهُ رَفَعَ إلى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-- يقولُ: "مُهَلُّ أَهْلِ المَدِينَةِ مِنْ ذِى الحُلَيْفَةِ، والطَّرِيقُ الآخَرُ من الجُحْفَةِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ (٢). ولأنَّه مَرَّ على أحَدِ المَواقِيتِ دونَ غيرِه، فلم يَلْزَمْهُ الإِحْرامُ قبلَه، كسَائِرِ المَواقِيتِ. ويَحْتَمِلُ أنَّ أبا قتَادَةَ حين أحْرَمَ أصْحَابُه دُونَه في قِصَّةِ صَيْدِه لِلْحِمَارِ الوَحْشِيِّ (٣)، إنَّما تَرَكَ الإِحْرَامَ لِكَوْنِه لم يَمُرَّ على ذِى الحُلَيْفَةِ، فأخَّرَ إحْرَامَه إلى الجُحْفَةِ. إذْ لو مَرَّ عليها لم يَجُزْ له تَجاوُزُها مِن غيرِ إحْرَامٍ. ويُمْكِنُ حَمْلُ حديثِ عائشةَ في تَأْخِيرِها إحْرَامَ العُمْرَةِ إلى الجُحْفَةِ على هذا، وأنَّها لا تَمُرُّ في طَرِيقِها على ذِى الحُلَيْفَةِ؛ لِئَلَّا يكونَ فِعْلُها مُخَالِفًا لِقَوْلِ رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولِسَائِرِ أهْلِ العِلْمِ.

٥٥١ - مسألة؛ قال: (وَالاخْتِيَارُ أنْ لَا يُحْرِمَ قَبْلَ مِيقَاتِهِ، فَإنْ فَعَلَ فَهُوَ مُحْرِمٌ)

لا خِلافَ في أنَّ مَن أَحْرَمَ قبلَ المِيقَاتِ يَصِيرُ مُحْرِمًا، تَثْبُتُ في حَقِّهِ أحْكامُ الإِحْرامِ. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ أهْلُ العِلْمِ على أنَّ مَنْ أحْرَمَ قبلَ المِيقاتِ أنَّه مُحْرِمٌ. ولكنَّ الأفْضَلَ الإِحْرَامُ من المِيقاتِ، ويُكْرَهُ قَبْلَه. رُوِىَ نحوُ ذلك عن


(٢) تقدم تخريجه في صفحة ٥٨.
(٣) يأتي أثناء المسألة ٥٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>