للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ألْقَى على سفينةٍ مُوقَرَةٍ حَجَرًا فَغَرَّقَها. والثانى، عليه نصفُ الضَّمَانِ؛ لأنَّه تَلِفَ بفِعْلٍ مَضْمونٍ وغيرِ مَضْمونٍ، فكان الواجِبُ نِصْفَ الدِّيَةِ، كما لو جَرَحَ نفسَه وجَرحَه غيرُه فماتَ. وبهذا قال أبو حنيفةَ، ومالكٌ، والشَّافِعِىُّ في أحَدِ قوليه. وقال في الآخَرِ: يجبُ من الدِّيَةِ بقِسْطِ ما تعدَّى به، تُقَسَّطُ الدِّيَةُ على الأسْواطِ كلِّها، وسواءٌ زادَ خَطَأً أو عمدًا؛ لأنَّ الضَّمانَ يجبُ في الخَطَأ والعمدِ، ثم يُنْظَرُ؛ فإن كان الجلَّادُ زادَه من عندِ نفسِه بغيرِ أمرٍ، فالضَّمانُ على عاقلتِه؛ لأنَّ العُدْوانَ منه، وكذلك إن قال الإِمامُ له: اضربْ ما شِئْتَ. فالضَّمانُ على عاقلتِه. وإن كان له من يَعُدُّ عليه، فزاد في العَدَدِ، ولم يُخْبِرْهُ، فالضَّمانُ على من يَعُدُّ، سواءٌ تَعَمَّدَ ذلك، أو أخطأَ في العددِ؛ لأنَّ الخطأَ منه. وإن أمرَه الإِمامُ بالزِّيادةِ على الحَدِّ، فزادَ، فقال القاضي: الضَّمانُ على الإِمامِ. وقياسُ المذهبِ أنَّه إنِ اعْتَقدَ وُجوبَ طاعةِ الإِمامِ، وجَهِلَ تَحْريمَ الزِّيَادَةِ، فالضَّمانُ على الإِمامَ، وإن كان عالمًا بذلك، فالضَّمانُ عليه، كما لو أمرَه الإِمامُ بقَتْلِ رجلٍ ظُلْمًا فقتلَه. وكلُّ مَوْضِعٍ قُلْنا: يضْمَنُ الإِمامُ. فهل يَلْزَمُ عاقلتَه أو بيتَ المال؟ فيه رِوَايتان؛ إحداهما، هو في بيتِ المالِ؛ لأنَّ خطَأَه يكثُرُ، فلو وجبَ ضَمَانُه على عاقلتِه، أجْحَفَ (٨) بهم. قال القاضي: هذا أصَحُّ. والثانية، هو على عاقلتِه؛ [لأنَّها وجَبتْ بخَطئِه، فكانتْ على عاقلتِه] (٩) , كما لو رَمَى صَيْدًا فقتلَ آدَمِيًّا. ويَحْتَمِلُ أن تكونَ الرِّوايتانِ إنَّما هما فيما إذا وقَعتِ الزِّيادةُ منه خطأً، أمَّا إذا تعمَّدَها، فهذا ظُلْمٌ قَصَدَه، فلا وَجْهَ لتعلُّقِ ضَمانِه ببيتِ المالِ بحالٍ، كما لو تعمَّدَ جَلْدَ من لا حَدَّ عليه. وأمَّا الكَفارَةُ التي تَلْزَمُ الإِمامَ، فلا يَحْمِلُها عنه غيرُه؛ لأنَّها عبادةٌ، فلا تَتعَلَّقُ بغيرِ مَنْ وُجِدَ منه سببُها، ولأنَّها كَفَّارَةٌ لفِعْلِهِ، فلا تَحْصُلُ إلَّا بتَحَمُّلِه إيَّاها، ولهذا لا يدْخُلُها (١٠) التحَمُّلُ بحالٍ.

فصل: ولا يُقامُ الحَدُّ على السَّكرانِ حتى يصْحُوَ. رُوِىَ هذا عن عمرَ بنِ


(٨) في ب: "لأجحف".
(٩) سقط من: ب. نقل نظر.
(١٠) في ب: "يدخل".

<<  <  ج: ص:  >  >>