للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعَفْوِ على مالٍ يَتَعَلَّقُ برَقَبَةِ الجانِى. وإنْ كانَت فيما دُونَ النَّفْسِ، مثل أن يقطعَ يدَه أو رِجْلَه، فللمُكاتَبِ اسْتِيفاءُ القصاصِ، وليس لِسَيِّدِه مَنْعُه، كما أَنَّ المريضَ يَقبِضُ ولا يَعْتَرِضُ عليه رَثَتُه، والمُفلِسَ يقْبِضُ ولا يعْتَرِضُ عليه غُرَماؤُه. وإِنْ عَفَا على مالٍ، ثَبَتَ له. وإِنْ عَفا مُطْلَقًا، أو إلى غيرِ مالٍ، انْبَنَى ذلك على الرِّوايتَيْن فى مُوجَبِ العَمْدِ؛ إِنْ قُلْنا: مُوجَبُهُ القِصاصُ عَيْنًا. صَحَّ، ولم يثْبُتْ له مالٌ، وليس للسَّيِّدِ مُطَالَبَتُه باشْتِراطِ مالٍ؛ لأنَّ ذلك تكَسُّبٌ، ولا يَمْلِكُ السَّيِّدُ إجْبارَه على الكَسْبِ. وإِنْ قُلْنا: الواجِبُ أحَدُ أَمْرَيْن. ثبَتَتْ له دِيَةُ الجُرْحِ؛ لأَنَّه لمَّا سَقَطَ القِصاصُ، تَعَيَّنَ المالُ، ولا يصِحُّ عَفْوُه عن المالِ؛ لأَنَّه لا يَمْلِك التَّبَرُّعَ به (٥٠) بغيرِ إذْنِ سيِّدِه. وإِنْ صالَحَ على بعضِ الأرْشِ، فحكمُه حكمُ [المَعْفُوِّ عنه] (٥١) إلى غيرِ مالٍ.

فصل: وإذا ماتَ المُكاتَبُ، وعليه دُيونٌ، وأُروشُ جِناياتٍ، ولم يكُنْ مَلَكَ ما يُؤَدِّى فى كتابَتِه، انفَسَخَت كتابَتُه (٥٢)، وسَقَطَ أرشُ الجناياتِ؛ لأنَّها مُتعلِّقَةٌ برَقَبَتِه وقد تَلِفَت، ويُسْتَوْفَى دَيْنُه ممَّا كان فى يَدِه، فإنْ لم يَفِ بها، سَقَطَ الباقِى. قال أحمد: ليس على سَيِّدِه قَضاءُ دَيْنِه، هذا كان يَسْعَى لِنَفْسِه. وإِنْ كان قد مَلَكَ ما يُؤدِّى فى كتابَتِه، انْبَنَى ذلك على الرِّوايَتَيْنِ فى عِتْقِ المُكاتَبِ بمِلْكِ ما يؤدِّيه، ولحد ذَكَرْنا فيه رِوايَتَيْن، الظَّاهِرُ منهما أنَّه لا يَعْتِقُ بذلك، فتَنْفَسِخُ الكِتابَةُ أيْضًا، ويَبْدَأُ بقَضاءِ الدَّيْنِ، على ما ذَكَرنا فى الحالِ الأَوَّلِ. وهذا قولُ زيد بنِ ثابِت، وسعيدِ بنِ المُسَيَّبِ، والحسن، وشُرَيْحٍ، وعَطاءٍ، وعَمرِو بنِ دينارٍ، وأبى الزِّنادِ، ويحيى الأنْصارِىِّ، ورَبِيعَةَ، والأَوْزَاعِىِّ، وأبى حنيفة، والشافِعِىِّ. والرِّوايَةُ الثانِيَةُ، أنَّه إذا مَلَكَ ما يُؤدِّى، فقد صارَ حُرًّا. فعلى هذا، يضْرِبُ السَّيِّدُ معَ الغُرَماءِ بما حَلَّ مِن نُجومِه. ورُوِىَ نحوُ (٥٣) هذا عن (٥٠) شُرَيْحٍ، والنَّخَعِىِّ، والشَّعْبِىِّ، والحَكَمِ، وحَمَّادٍ، وابنِ أبى لَيْلَى، والثَّوْرِىِّ، والحسنِ بنِ صالحٍ؛ لأَنَّه دَيْنٌ له حَالٌّ، فيَضْرِبُ به كسائِرِ الدُّيُونِ. ويَجِىءُ على قَوْلِ مَن قال: إِنَّ


(٥٠) سقط من: ب.
(٥١) فى أ، ب، م: "العفو".
(٥٢) فى الأصل، أ: "الكتابة".
(٥٣) سقط من: أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>