للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُباحٍ، فلم يَضْمَنْ. كما لو قَتَلَ صَيْدًا سِوَاهُ، وفَارَقَ السَّهْمَ؛ لأنَّ الكَلْبَ له قَصْدٌ واخْتِيَارٌ، ولهذا يَسْتَرْسِلُ بِنَفْسِه، ويُرْسِلُهُ إلى جِهَةٍ فيَمْضِى إلى غَيْرِها، والسَّهْمُ بِخِلافِه. إذا ثَبَتَ هذا فإنَّه لا يَأْكُلُ الصَّيْدَ فى هذه المَوَاضِعِ كُلِّها، ضَمِنَهُ أو لم يَضْمَنْهُ؛ لأنَّه صَيْدٌ حَرَمِىٌّ، قُتِلَ فى الحَرَمِ، فحُرِّمَ، كما لو ضَمِنَه، ولأنَّنَا إذا قَطَعْنَا فِعْلَ الآدَمِىِّ، صَارَ كأنَّ الكَلْبَ اسْتَرْسَلَ بِنَفْسِه، فقَتَلَهُ. ولكن لو رَمَى الْحَلالُ مِن الحِلِّ صَيْدًا فى الحِلِّ، فَجَرَحَهُ، وتَحَامَلَ الصَّيْدُ فدَخَلَ الحَرَمَ، فماتَ فيه، حَلَّ أكْلُه، ولا جَزاءَ فيه؛ لأنَّ الذَّكاةَ حَصَلَتْ فى الحِلِّ، فأشْبَهَ ما لو جَرَحَ صَيْدًا، ثمَّ أحْرَمَ، فماتَ (١٥) الصَّيْدُ بعدَ إحْرَامِهِ. ويُكْرَهُ أَكْلُه؛ لِمَوْتِهِ فى الحَرَمِ.

فصل: وإن وَقَفَ صَيْدٌ، بَعْضُ قَوَائِمِه فى الحِلِّ، وبَعْضُها فى الحَرَمِ، فقَتَلَهُ قَاتِلٌ، ضَمِنَهُ تَغلِيبًا لِلْحَرَمِ. وبه قال أبو ثَوْرٍ، وأصْحَابُ الرَّأْىِ. وإن نَفَّرَ صَيْدًا مِن الحَرَمِ، فأصَابَهُ شىءٌ فى حال نُفُورِهِ، ضَمِنَهُ؛ لأنَّه تَسَبَّبَ إلى إتْلَافِه، فأشْبَهَ مَا لو تَلِفَ بِشَرَكِه أو شَبَكَتِه. وإن سَكَنَ من نُفُورِهِ، ثمَّ أصَابَه شىءٌ، فلا شَىءَ على مَن نَفَّرَهُ. نَصَّ عليه أحمدُ. وهو قولُ الثَّوْرِىِّ؛ لأنَّه لم يَكُنْ سَبَبًا لإِتْلَافِه، وقد رُوِىَ عن عمرَ، أنَّه وَقَعَتْ على رِدَائِه حَمَامَةٌ، فأطَارَها، فوَقَعَتْ على وَاقِفٍ فانتهَزَتْهَا (١٦) حَيَّةٌ، فاسْتَشارَ فى ذلك عثمانَ ونَافِعَ بن عبدِ الحارِث، فحَكَما عليه بِشَاةٍ. وهذا يَدُلُّ على أنَّهم رَأوْا عليه الضَّمَانَ بعد سُكُونِه. لكن لو انْتَقَلَ عن المَكَانِ الثانِي، فأصَابَه شىءٌ، فلا ضَمَانَ عليه؛ لأنَّه خَرَجَ عن المكانِ الذى طُرِدَ إليه، وقَوْلُ الثَّوْرِىِّ وأحمَدَ إنَّما يَدُلُّ على هذا؛ لأنَّ سفيان قال: إذا طَرَدْتَ فى الحَرَمِ شيئًا، فأصابَ شيئًا قبلَ أن يَقَعَ، أو حِينَ وَقَع، ضَمِنْتَ، وإن وَقَعَ من ذلك المكانِ إلى مَكَانٍ آخَرَ، فليس عليكَ شىءٌ. فقال أحْمَدُ: جَيِّدٌ.


(١٥) فى الأصل: "ثمَّ مات".
(١٦) انتهز الصيد: بادره.

<<  <  ج: ص:  >  >>