للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المالكُ من ضَمانِ ما يَتْلَفُ به، ففيه وَجْهان؛ أحدهما: يَبْرَأُ؛ لأنَّ المالِكَ لو أَذِنَ فيه ابْتِداءً لم يَضْمَنْ ما تَلِفَ به، فإذا أبْرَأَه من الضَّمانِ، وأَذِنَ فيه، زال عنه الضَّمانُ، كما لو اقْتَرنَ الإِذْنُ بالحَفْرِ. والآخَرُ، لا يَنْتَفِى عنه الضَّمانُ؛ لأنَّه سَبَبٌ مُوجِبٌ للضَّمانِ، فلا يَزُولُ حُكْمُه بالإِبْراءِ، كسائرِ الأسْبابِ، ولأنَّ حُصُولَ الضمانِ به لكَوْنِه تَعَدَّى بحَفْرِه (٣٨)، والإِبْراءُ لا يُزِيلُ ذلك، لأنَّ ما مَضَى لا يُمْكِنُ تغيِيرُه عن الصِّفَةِ التي وقَعَ عليها، ولأنَّ وُجُوبَ الضَّمانِ ليس يَحِقُّ للمالِكِ الإِبراءُ منه، كما لو أبْرَأه غيرُ المالِكِ، ولأنَّه إبراءٌ ممَّا لم يَجِبْ، فلم يَصِحّ، كالإِبْراءِ من الشُّفْعةِ قبلَ البَيْعِ.

فصل: وإن (٣٩) اسْتَأْجَرَ أجِيرًا، فحَفَرَ في مِلْكِ غيرِه بغيرِ إذْنِه، وعَلِمَ الأَجِيرُ ذلك، فالضَّمانُ عليه وحدَه؛ لأنَّه مُتَعَدٍّ بالحَفْرِ، وليس له فِعْلُ ذلك بِأُجْرَةٍ ولا غيرِها، فتعَلَّقَ الضَّمانُ به، كما لو أمَرَه غيرُه بالقَتْلِ فقَتَلَ. وإن لم يَعْلَم، فالضَّمانُ على المُسْتَأْجِرِ؛ لأنَّه غَرَّه، فتعَلَّقَ الضَّمانُ به، كالإِثْمِ، وكذلك الحكمُ في البِناءِ ونحوه، ولو اسْتَأْجَرَ أجِيرًا ليَحْفِرَ له في مِلْكِه بئرًا، أو لِيَبْنِىَ (٤٠) له فيها بِناءً، فتَلِفَ الأجِيرُ بذلك، لم يَضْمَنْه المُسْتأْجِرُ، وبهذا قال عَطاءٌ، والزُّهْرىُّ، وقَتادةُ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. ويُشْبِهُ مَذْهَبَ الشافعىِّ؛ لقولِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الْبِئْرُ جُبَارٌ" (٤١). ولأنَّه لم يُتْلِفْه، وإنَّما فَعَلَ الأجِيرُ باخْتيارِ نَفْسِه فِعْلًا أفْضَى إلى تَلَفِه، فأشْبَهَ ما لو فَعَلَه تَبَرُّعًا مِن عندِ نفسِه، إلَّا أن يكونَ الأجيرُ عَبْدًا استأجَرَه بغيرِ إذْنِ سَيِّدِه أو صَبِيًّا بغيرِ إذْنِ وَلِيِّه، فيَضْمَنَه (٤٢)؛ لأنَّه مُتَعَدٍّ باسْتِعمالِه، مُتَسَبِّبٌ إلى إتْلافِ حَقِّ غيرِه.

فصل: فإن حَفَرَ إنسانٌ في مِلْكِه بئرًا، فوَقَعَ فيها إنسانٌ أو دابةٌ، فهَلَكَ به، وكان


(٣٨) في الأصل: "بحفر". وفى ب: "بحقه".
(٣٩) في الأصل: "وإذا".
(٤٠) في الأصل، ب: "يبنى".
(٤١) تقدم تخريجه في: ٤/ ٢٣١، ٢٣٢.
(٤٢) في ب: "فضمنه".

<<  <  ج: ص:  >  >>