للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قولُ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَيْسَ لأحَدٍ أنْ يُعْطِىَ عَطِيّةً، فيَرْجِعَ فِيهَا، إلَّا الْوالِدَ فِيمَا يُعْطِى وَلَدَهُ". وقد ذَكَرْناه (٥). ورَوَى عَمْرُو بن شُعَيْبٍ، عن أبِيه، عن جَدِّه أن نَبِيَّ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يَرْجِعُ واهِبٌ في هِبَتِه، إلَّا الوالِدَ فِيمَا يُعْطِى وَلَدَهُ" (٦). ولأنَّه واهِبٌ لا وِلَايةَ له في المالِ، فلم يَرْجِعْ في هِبَتِه، كذِى الرَّحِمِ المَحرَمِ. وأحادِيثُنا أصَحُّ من حَدِيثهم (٧) وأَوْلَى. وقولُ عمرَ، قد رُوِى عن ابْنهِ وابنِ عَبَّاسٍ خِلَافُه. وأمَّا العارِيَّةُ فإنَّما هي هِبَةُ المنَافِعِ، ولم يَحْصُل القَبْضُ فيها. فإن قَبَضَها باسْتِيفَائِها، فنَظِيرُ مَسْأَلتِنَا ما اسْتَوفَى من مَنَافِعِ العارِيَّةِ، فإنَّه لا يجوزُ الرُّجُوعُ فيها.

فصل: فحصل الاتِّفَاقُ على أنَّ ما وَهَبَه الإِنْسانُ لِذَوِى رَحِمِه المَحْرَمِ غيرِ وَلَدِه، لا رُجُوعَ فيه. وكذلك ما وَهَبَ الزَّوْجُ لِامْرَأتِه. والخِلَافُ فيما عدا هؤلاءِ، فعندنا لا يَرْجِعُ إلَّا الوالِدُ، وعندَهم لا يَرْجِعُ إلَّا الأجْنَبِيُّ. فأمَّا هِبَةُ المَرْأةِ لِزَوْجِها، فعن أحمدَ فيه رِوَايَتانِ؛ إحداهما، لا رُجُوعَ لها فيها. وهذا قولُ عمرَ بن عبد العزيزِ، والنَّخَعِيِّ، ورَبِيعةَ، ومالِكٍ، والثَّوْرِيِّ، والشافِعيِّ، وأبى ثَوْرٍ، وأصْحابِ الرَّأْى. وهو قولُ عَطَاءٍ، وقَتَادَةَ. والثانية، لها الرُّجُوعُ. قال الأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أحمدَ يُسْأَلُ عن المَرْأةِ تَهَبُ، ثم تَرْجِعُ، فرَأَيْتُه يَجْعَلُ النِّساءَ غيرَ الرِّجَالِ. ثم ذَكَرَ الحَدِيثَ: "إنَّما يَرْجِعُ


= البخاري ٣/ ٢٠٧. وابن ماجه، في: باب الرجوع في الهبة، من كتاب الهبات. سنن ابن ماجه ٢/ ٧٩٧.
والثالث أخرجه البخاري، في: باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته، من كتاب الهبة، وفي: باب في الهبة والشفعة، من كتاب الحيل. صحيح البخاري ٣/ ٢١٥، ٩/ ٣٥. والترمذي، في: باب ما جاء في كراهية الرجوع في الهبة؛ من أبواب البيوع. عارضة الأحوذي ٥/ ٣٠١. والنسائي، في: باب ذكر الاختلاف لخبر عبد اللَّه بن عباس فيه، من كتاب الهبة. المجتبى ٦/ ٢٢٤. والإِمام أحمد، في: المسند ٢/ ٢١٧.
(٥) تقدم تخريجه في صفحة ٢٦٢.
(٦) أخرجه ابن ماجه، في: باب من أعطى ولده ثم رجع فيه، من كتاب الهبات. سنن ابن ماجه ٢/ ٧٩٦. والإِمام أحمد، في: المسند ٢/ ١٨٢. والبيهقي، في: باب من قال لا يحل لواهب أن يرجع فيما وهب لأحد. . ., من كتاب الهبات. السنن الكبرى ٦/ ١٧٩، ١٨٠.
(٧) في م: "أحاديثهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>