للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقَتَلها، وكما لو قال: لا تُخْرِج الوَديعةَ، وإن خِفْتَ عليها. فخافَ عليها ولم يُخْرِجْها، أو أمَرَه صاحِبُها بإلْقائِها فى نارٍ أو بحرٍ. وبهذا يَنْتقِضُ ما ذكَرُوه. ومَنَعَ ابنُ المُنْذِرِ الحُكْمَ فيما إذا أمَرَه بإتْلافِها فأتْلَفَها (٢٧)؛ لما تقدَّمَ. ولا يَصِحُّ؛ لأنَّه ثابتٌ لصاحِبها، فلم يَغْرَمْ له شيئًا، كما لو اسْتنابَه فى مُباحٍ، والتَّحْرِيمُ أثَرُه فى بقاءِ حَقِّ اللَّهِ تعالى، وهو التَّأْثِيمُ، أمَّا حَقُّ الآدَمِىِّ فلا يَبْقَى مع إذْنِه فى تَفْوِيتِه، ولأنَّها لم تَتْلَفْ بفِعْلِه، وإنَّما تَلِفَتْ بتَرْكِ العَلْفِ المأْذُونِ فيه، أشْبَهَ ما لو قال له: لا تُخْرِجْها إذا (٢٨) خِفْتَ عليها. فلم يُخْرِجْها.

١٠٧٣ - مسألة؛ قال: (وَلَوْ كَانَ فِى يَدِهِ وَدِيعَةٌ، فَادَّعَاهَا نَفْسَانِ، فَقَالَ: أَوْدَعَنِى أحَدُهُمَا، وَلَا أعْرِفُهُ عَيْنًا. أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ خرَجَتْ لَهُ القُرْعةُ حَلَفَ أَنَّها لَهُ، وسُلِّمتْ إلَيْهِ)

وجُمْلتُه أَنَّ مَن كانت عندَه وَدِيعةٌ، فادَّعاها نَفْسانِ، فأقَرَّ بها لأحَدِهِما، سُلِّمَتْ إليه؛ لأنَّ يَدَه دَلِيلُ (١) مِلْكِه، ولو ادَّعاها لِنَفْسِه، كان القولُ قولَه. فإذا أَقَرَّ بها لغيرِه، وَجَبَ أن يُقبَلَ، ويَلْزَمُه أن يَحْلِفَ للآخَرِ؛ لأنَّه مُنْكِرٌ لِحَقِّه، فإنَّ حَلَفَ بَرِئ، وإن نَكَلَ لَزِمَه أن يَغْرَمَ له قِيمَتَها؛ لأنَّه فَوَّتَها عليه. وكذلك لو أَقَرَّ للثانى بها بعدَ أن أَقَرَّ بها للأوَّلِ، سُلِّمتْ إلى الأوَّلِ؛ لأنَّه اسْتَحقَّها بإقْرارِه، وغَرِمَ قِيمَتَها للثانى. نَصَّ على هذا أحمدُ. وإن أقَرَّ بها لهما جَمِيعا، فهى بينهما، ويَلْزَمُه اليَمِينُ لكلِّ واحدٍ منهما فى نِصْفِها. وإن قال: هى لأحَدِهِما لا أعْرِفُه عَيْنًا. فاعْتَرَفا له بجَهْلهِ، تَعَيَّنَ المُسْتَحِقُّ لها، فلا يَمِينَ عليه. وإن ادَّعَيا مَعْرِفَتَه، فعليه يَمِينٌ واحدةٌ أنَّه لا يَعْلَمُ ذلك. وقال أبو حنيفةَ: يَحْلِفُ يَمِينَيْنِ، كما لو أَنْكَرَ أنَّها لهما. ولَنا، أَنَّ الذى يُدَّعَى عليه أَمْرٌ واحدٌ،


(٢٧) فى الأصل، م: "وأتلفها".
(٢٨) فى ب: "وإن".
(١) فى ب زيادة: "على".

<<  <  ج: ص:  >  >>