للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والشَّاهدَ شَهادتَه، ويُرْجَعُ بالدَّرَكِ على مَن رَجَعَ عليه، فإن أعْوَزَ ذلك، لم يَلْزَمِ الحاكمَ ذلك، ويقولُ لصاحبِ الحقِّ: إن شئتَ جئتَ بكاغَدٍ، أكْتبُ لك فيه، فإنَّه حجةٌ لك، ولستُ أُكْرِهُك عليه.

فصل: وإذا ارْتَفعَ إليه خَصْمانِ، فذكرَ أحدُهما أنَّ حجَّتَه في ديوانِ الحُكمِ، فأخْرَجَها الحاكمُ مِن ديوانِه، فوجدَها مكتوبةً بخَطِّه تحت خَتْمِه، وفيها حكمُه، فإن ذكرَ ذلك، حَكَمَ به، وإن لم يذكُرْه، لم يَحْكُمْ به. نَصَّ عليه أحمدُ، في الشَّهادةِ، قالَه بعضُ أصْحابِنا، وهو قولُ أبي حنيفةَ، والشَّافعيِّ، ومحمدِ بنِ الحسنِ. وعن أحمدَ، رَضِىَ اللهُ عنه، أنَّه يَحْكُمُ به. وبه قال ابنُ أبي ليلى. وهذا الذى رأيتُه عن أحمدَ في الشهادةِ؛ لأنَّه إذا كانَ في قِمَطْرِه تحتَ خَتْمِه، لم يَحْتَمِلْ أن يكونَ إلَّا صحيحًا. ووَجْهُ الأُولَى، أنَّه حُكْمُ حاكمٍ لم يَعْلَمْه، فلم يَجُزْ إنْفاذُه إلَّا بِبَيِّنَةٍ، كحُكْمِ غيرِه، ولأنَّه يجوزُ أنْ يُزوَّرَ عليه وعلى خَتْمِه، والخَطُّ يُشْبِهُ الخَطَّ. فإن قيل: فلو وَجدَ في دَفْتَرِ أبيه حَقًّا على إنسانٍ، جازَ له أنْ يَدَّعِيَه، ويَحْلِفَ عليه. قُلْنا: هذا يُخالِفُ الحُكمَ والشَّهادةَ، بدليلِ الإجْماعِ على أنَّه لو وجدَ بخطِّ أبيه شهادةً، لم يَجُزْ له أن يَحكُمَ بها، ولا يَشْهَدَ بها، ولو وجدَ حُكمَ أبيه مَكتوبًا بخَطِّه، لم يَجُزْ له إنْفاذُه، ولأنَّه يُمْكِنُه الرُّجوعُ فيما حكمَ به (٢٣) إلى نفسِه، لأنَّه فِعْلُ نَفْسِه، فرُوعِىَ ذلك. وأمَّا ما كتبَه أبوه، فلا يُمْكِنُه الرُّجوعُ فيه (٢٤) إلى نفسِه، فيَكْفِى (٢٥) فيه الظَّنُّ.

فصل: فإن ادَّعَى رجلٌ على الحاكمِ، أنَّك حَكَمْتَ لى بهذا الحقِّ على خَصْمِى. فذكرَ (٢٦) الحاكمُ حُكْمَه، أمْضاهُ، وألْزَمَ خَصْمَه ما حَكمَ به عليه. وليس هذا حُكْمًا بالعلمِ، إنَّما هو إمْضاءٌ لحُكْمِه السَّابقِ. وإنْ لم يَذكُرْه القاضى، فشَهِدَ عنده شاهدان على حُكْمِه، لَزمَه قبولُها، وإمْضاءُ القضاءِ. وبه قالَ ابنُ أبي ليلى، ومحمدُ بنُ الحسنِ. قال


(٢٣) في م زيادة: "عليه".
(٢٤) في م: "فيما حكم به".
(٢٥) في الأصل: "فكفى".
(٢٦) في ب: "ثم ذكر".

<<  <  ج: ص:  >  >>