للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: إنَّما وَقَفْتُ لِنِدَائِك. فهو آمِنٌ (١١)، وإن لم يَدَّعِ ذلك فلا يُقْبَلُ. ويَحْتَمِلُ أَنَّ هذا ليس بأَمانٍ؛ لأنَّ لَفْظَه لا يُشْعِرُ به، وهو يُسْتَعْمَلُ (١٢) للإِرْهابِ والتَّخْوِيفِ، فلم يكُنْ أمانًا، كقولِه (١٣): لأَقْتُلَنَّكَ. لكن يُرْجَعُ إلى القائِلِ، فإنْ قال: نَوَيْتُ به الأمانَ. فهو أمانٌ، وإن قال: لم أُرِدْ (١٤) أمَّانَه. نَظَرْنا فى الكافِرِ، فإنْ قال: اعْتَقَدْتُه أمانًا. رُدَّ إلى مَأْمَنِه، ولم يجُزْ قَتْلُه، وإِنْ لم يَعْتَقِدْه أمانًا فليس بأمانٍ، كما لو أشارَ إليهم بما اعْتَقَدُوه أمانًا.

فصل: فإنْ أشارَ المسلمُ إليهم بما يَرْوَنَه أمانًا، وقال: أرَدْتُ به الأمانَ. فهو أمانٌ، وإِنْ قال: لم أُرِدْ به الأَمانَ. فالقَوْلُ قولُه؛ لأنَّه أَعلَمُ بِنِيَّتِه. فإنْ خَرَجَ الكُفّارُ من حِصْنِهِم بِناءً على هذه الإِشارَةِ، لم يجُزْ قَتْلُهُم، ولكنْ يُرَدُّون إلى مَأْمَنِهم. وقد (١٥) قال عمرُ، رَضِىَ اللَّهُ عنه: واللَّهِ لو أَنَّ أحَدَكُم أشارَ بإِصْبَعهِ إلى السماءِ إلى مُشْرِكٍ، فنزلَ بأمانِه، فقَتَلَه، لقَتَلْتُه بِه. رواه سعيدٌ (١٦). وإِنْ ماتَ المسلمُ أو غابَ، فإنَّهم يُرَدُّون إلى مَأْمَنِهم. وبهذا قال مالكٌ، والشافِعِىُّ، وابنُ المُنْذِرِ. فإنْ قيل: فكيفَ صَحَّحْتُم الأمانَ بالإِشارَةِ، مع القُدْرَةِ على النُّطْقِ، بخلافِ البَيْعِ والطَّلاقِ والعِتْقِ؟ قُلْنا: تَغْلِيبًا لحَقْنِ الدَّمِ، كما حُقِنَ دَمُ مَن (١٧) له شُبْهةُ كتابٍ، تَغْلِيبًا لحَقْنِ دَمِه، ولأنَّ الكُفَّارَ فى الغالِبِ لا يَفْهَمُون كلامَ المسلمين، والمسلمون لا يَفْهَمُون كلامَهُم، فدَعَت الحاجَةُ إلى التَّكْليمِ بالإِشارَةِ، بخلافِ غيرِه.

فصل: إذا سُبِيَت كافِرَةٌ، فجاءَ قَرابَتُها (١٨) يَطْلُبُها، وقال: إنَّ عِنْدِى أسيرًا مُسْلِمًا، فأطْلِقُوها حَتّى أُحْضِرَه. فقال الإِمامُ: أَحْضِرْهُ. فأَحْضَرَهُ، لَزِمَ إِطْلاقُها؛ لأنَّ


(١١) فى ب: "أمان".
(١٢) فى أ، ب: "مستعمل".
(١٣) فى أ، م: "لقوله".
(١٤) فى أزيادة: "به".
(١٥) سقطت "قد" من: م.
(١٦) فى: باب الإشارة إلى المشركين والوفاء بالعهد، من كتاب السنن ٢/ ٢٢٩.
(١٧) سقط من: م.
(١٨) فى م: "ابنها".

<<  <  ج: ص:  >  >>