للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لفظتان، أَجَرْتُك، وَأَمَّنْتُك. لقولِ اللَّه تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ} (٢). وقال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ، وَأَمَّنَّا مَنْ أَمَّنْتِ" (٣). وقال: "مَنْ دخَلَ دارَ أبى سُفْيانَ فهو آمِنٌ، ومَنْ أغْلَقَ عَلَيْهِ (٤) بابَهُ فَهُوَ آمِنٌ" (٥). وفى مَعْنَى ذلك إذا قال: لا تَخَفْ، لا تَذْهَلْ، لا تَخْشَ، لا خَوْفَ عَلَيْكَ، لا بَأْسَ عَلَيْكَ. وقد رُوِىَ عن عمرَ أنَّه قال: إذا قُلْتُم: لا بَأْسَ، أو لا تَذْهَلْ (٦)، أو مترس (٧)، فقد أَمَّنْتُمُوهُم؛ فإنَّ اللَّه تعالَى يَعْلَمُ الأَلْسِنَةَ (٨). وفى رِواية أُخْرَى: إذا قالَ الرجُلُ للرجُل: لا تَخَفْ. فقد أَمَّنَهُ، وإذا قال: لا تَذْهَلْ. فقد أمَّنَهُ؛ فإنَّ اللَّه يَعْلَمُ الأَلْسِنَةَ (٨). ورُوِىَ أَنَّ عمرَ قال للهُرْمُزانِ: تَكَلَّمْ، ولا بَأْسَ عَلَيْكَ. فلمَّا تَكَلَّمَ، أمَرَ عمرُ بقَتْلِه، فقال أَنَسُ بنُ مالِكٍ: ليس لك إلى ذلك سبيلٌ، قد أَمَّنْتَه. فقال عمرُ: كَلَّا. فقال الزُّبَيْرُ: قد قُلْتَ له: تَكَلَّمْ، ولا بَأْسَ عَلَيْكَ. فدَرَأَ عنه عمرُ القَتْلَ. روَاه سعيدٌ وغيرُه (٩). وهذا كلُّه لا نَعْلَمُ فيه خلافًا. فأمَّا إنْ قالَ له: قُمْ، أو قِفْ، أو أَلْقِ سلاحَكَ. فقال أصحابُنا: هو أمانٌ أيضًا؛ لأنَّ الكافِرَ يعْتقِدُ هذا أمانًا، فأشْبَهَ قولَه: أَمَّنْتُك. وقال الأوْزَاعِىُّ: إن ادَّعَى الكافِرُ أنَّه أمانٌ (١٠)، أو


(٢) سورة التوبة ٦.
(٣) تقدم تخريجه، فى صفحة ٧٦.
(٤) سقط من: م.
(٥) أخرجه مسلم، فى: باب فتح مكة، من كتاب الجهاد والسير. صحيح مسلم ٣/ ١٤٠٦ - ١٤٠٨. وأبو داود، فى: باب ما جاء فى خبر مكة، من كتاب الخراج والفىء والإمارة. سنن أبى داود ٢/ ١٤٤.
(٦) كذا فى النسخ. وفى بعض مصادر التخريج: "لا تدحل". أى "لا تخف". وفى بعضها: "لا تدهل". بالنبطة، أى لا تخف أيضًا.
(٧) أى: لا تخف. فارسية.
(٨) كتاب عمر إلى أبى موسى، أخرجه الدارقطنى، فى: باب كتاب عمر رضى اللَّه عنه إلى أبى موسى الأشعرى، من كتاب فى الأقضية والأحكام وغير ذلك، سنن الدارقطنى ٤/ ٢٠٦، ٢٠٧. والبيهقى، فى: باب كيف الأمان، من كتاب السير، السنن الكبرى ٩/ ٩٦، ١٠/ ١١٩، ١٣٥، ١٤٩. وسعيد بن منصور، فى: باب الإشارة إلى المشركين والوفاء بالعهد، من كتاب الجهاد. السنن ٢/ ٢٣٠. وعبد الرزاق، فى: باب دعاء العدو، من كتاب الجهاد. وفى: باب القضاة، من كتاب الجامع. المصنف ٥/ ٢١٩، ٢٢٠، ١١/ ٣٢٨، ٣٢٩. وذكره برمته وكيع، فى: أخبار القضاة ١/ ٧٠ - ٧٣. وانظر حاشيته.
(٩) تقدم تخريجه، فى صفحة ٧٨.
(١٠) فى م: "أمن".

<<  <  ج: ص:  >  >>