للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اسْتِبْقاءُ (١٤) مَنْفَعةِ الوَقْفِ المُمْكِن اسْتِبْقاؤُها (١٥)، وصِيَانَتُها عن الضَّيَاعِ، ولا سَبِيلَ إلى ذلك إلَّا بهذه الطَّرِيقِ.

فصل: وإن لم تَتَعَطَّلْ مَنْفَعَةُ (١٦) الوَقْفِ بالكُلِّيّةِ، لكن قَلَّتْ، وكان غيرُه أنْفَعَ منه وأكْثَرَ رَدٍّ على أهْلِ الوَقْفِ، لم يَجُزْ بَيْعُه؛ لأنَّ الأصْلَ تَحْرِيمُ البَيْعِ، وإنَّما أُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ، صِيَانةً لِمَقْصُودِ الوَقْفِ عن الضَّيَاعِ، مع إمكانِ تَحْصِيلِه، ومع الانْتِفَاعِ، وإن قَلَّ ما يَضِيعُ المَقْصُودُ، اللَّهُمَّ إلَّا أن يَبْلُغَ في قِلَّةِ النَّفْعِ إلى حَدٍّ لا يُعَدُّ نَفْعًا، فيكونُ وُجُودُ ذلك كالعَدَمِ.

فصل: قال أحمدُ، في رِوَايةِ أبى دَاوُدَ، في مَسْجِدٍ أرَادَ أهْلُه رَفْعَهُ من الأرْضِ، ويُجْعَلُ تَحْتَه سِقَايَةٌ وحَوَانِيتُ، فامْتَنَعَ بعضُهم من ذلك: فيُنْظَرُ إلى قولِ أكْثَرَهِم. واخْتَلَفَ أصْحَابُنا في تَأْوِيلِ كلامِ أحمدَ، فذَهَبَ ابنُ حامدٍ إلى أنَّ هذا في مَسْجِدٍ أرَادَ أهْلُه إنْشَاءَه ابْتِداءً، واخْتَلَفُوا كيف يُعْمَلُ؟ وسَمّاهُ مَسْجِدًا قبلَ بِنَائِه تَجَوُّزًا؛ لأنَّ مَآلَه إليه، أمَّا بعدَ كَوْنِه مَسْجِدًا لا يجوزُ جَعْلُه سِقَايةً ولا حَوَانِيتَ. وذَهَبَ القاضي إلى ظاهِرِ اللَّفْظِ، وهو أنَّه كان مَسْجِدًا، فأرَادَ أهْلُه رَفْعَه، وجَعْلَ ما تَحْتَه سِقَايةً لِحَاجَتِهِم إلى ذلك. والأَوَّلُ أصَحُّ وأَولَى، وإن خالَفَ الظاهِرَ؛ فإنَّ المَسْجِدَ لا يجوزُ نَقْلُه، وإبْدَالُه، وبَيْعُ سَاحَتِه، وجَعْلُها سِقَايةً وحَوَانِيتَ، إلَّا عندَ تَعَذُّرِ الانْتِفَاعِ به، والحاجةُ إلى سِقَايةٍ وحَوَانِيتَ لا تُعَطِّلُ نَفْعَ المَسْجِدِ، فلا يجوزُ صَرْفُه في ذلك، ولو جازَ جَعْلُ أسْفَل المَسْجِدِ سِقَايةً وحَوَانِيتَ لهذه الحاجَةِ، لَجازَ تَخْرِيبُ المَسْجِدِ وجَعْلُه سِقَايةً وحَوَانِيتَ، ويَجعَلُ بَدَلَهُ مَسْجِدًا في مَوْضِعٍ آخَرَ. وقال أحمدُ، في رِوَايةِ بَكْرِ بن محمدٍ، عن أبِيهِ، في مَسْجِدٍ ليس بِحَصِينٍ من الكِلَابِ، وله مَنَارَةٌ، فَرَخَّصَ في نَقْضِها، وبِنَاءِ حائِطِ المَسْجِدِ بها لِلْمَصْلَحَةِ.


(١٤) في الأصل: "استيفاء".
(١٥) في الأصل: "استيفاؤها".
(١٦) في م: "مصلحة".

<<  <  ج: ص:  >  >>