للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: والسِّحْرُ الذي ذكرْنا حُكْمَه. هو الذي يُعَدُّ في العُرْفِ سِحْرًا، مثل فِعْلِ لَبِيدِ بنِ الأَعْصَمِ، حينَ سَحَرَ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في مُشْطٍ ومُشَاطَةٍ. ورَوَينا في "مَغازِى الأُمَويِّ" (٣٦) أنَّ النَّجاشِىَّ دعا السَّواحِرَ، فنفَخْنَ في إحْليلِ عُمارةَ بنِ الوليدِ، فهامَ مع الوَحْشِ، فلم يَزَلْ معها إلى إمارةِ عمرَ بنِ الخطابِ، رَضِىَ اللهُ عنه، فأمْسَكَهُ إنسانٌ، فقال: خَلِّنِى وإلَّا مِتُّ. فلم يُخَلِّهِ، فماتَ من ساعتِهِ. وبلَغنا أنَّ بعضَ الأُمَراء أَخذَ ساحِرَةً، فجاءَ زوجُها كأنَّه مُحْتَرِقٌ، فقال (٣٧): قُولُوا لها تَحلُّ عنِّى. فقالت: ائْتُونِى بخُيوطٍ وبابٍ. [فأتَوْها به] (٣٨)، فجلَسَتْ على البابِ (٣٩)، وجعلَتْ تَعْقِدُ، فطارَ (٤٠) بها البابُ، فلم يقدرُوا عليها. فهذا وأمثالُه، مثل أنْ يَعْقِدَ الرَّجُلَ المُتزَوَّجَ، فلا يُطِيقُ وَطْءَ امْرأتِه (٤١)، هو السِّحْرُ المُخْتلَفُ في حُكْمِ صاحِبِهِ، فأمَّا الذي يَعْزِمُ على المصْروعِ، ويَزْعُمُ أنَّه يجْمَعُ الجِنَّ، ويأمرُها فتُطِيعُه، فهذا لا يدخلُ في هذا الحكمِ ظاهرًا. وذكره (٤٢) القاضي، وأبو الخطَّاب، في جملةِ السَّحَرَةِ. وأمَّا من يَحُلُّ السِّحْرَ، فإن كانَ بِشىءٍ من القرآنِ، أو شيءٍ من الذِّكْرِ والأقْسامِ والكلامِ الذي (٤٢) لا بأسَ به، فلا بَأْسَ به، وإن كان بشيءٍ من السِّحْرِ، فقد توقَّفَ أحمدُ عنه. قال الأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أبا عبدِ اللَّه سُئِلَ (٤٣). عن رجلٍ يَزْعُمُ أنَّه يحُلُّ السِّحْرَ، فقال: قد رَخَّصَ فيه بعضُ النَّاسِ. قِيلَ لأبي عبدِ اللَّه: إنَّه يَجْعَلُ في الطِّنْجِير ماءً، ويَغِيبُ فيه، ويعْمَلُ كذا، فنفَضَ يدَه كالمُنْكِرِ،


(٣٦) يعني يحيى بن سعيد الأموى، المتوفى سنة أربع وتسعين ومائة، ولم يصل إلينا كتابه، وقد أشار الدكتور سزكين إلى نقول منه. انظر: تاريخ التراث العربي ١/ ٢/ ٩٧.
(٣٧) في ب، م: "فقالوا".
(٣٨) سقط من: م.
(٣٩) في م زيادة: "حين أتوها به".
(٤٠) في م: "وطار".
(٤١) في م: "زوجته".
(٤٢) سقط من: ب.
(٤٣) في ب: "يسأل".

<<  <  ج: ص:  >  >>