للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: واللهِ لا نُعِينُكَ عليه. وفي رِوَايَةٍ: فَاسْتَعَنْتُهُمْ، فأَبَوْا أن يُعِينُونِى. وهذا يَدُلُّ على أنَّهم اعْتَقَدُوا تَحْرِيمَ الإعانَةِ، والنَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أقَرَّهم على ذلك. ولأنَّه إعانَةٌ على مُحَرَّمٍ، فحُرِّمَ، كالإعانَةِ على قَتْلِ الآدَمِيِّ.

فصل: ويُضْمَنُ الصَّيْدُ بِالدَّلَالَةِ، فإذا دَلَّ المُحْرِمُ حَلالًا على الصَّيْدِ فأتْلَفَهُ، فَالجَزاءُ كُلُّه على المُحْرِمِ. رُوِىَ ذلك عن علىٍّ وابنِ عَبَّاسٍ وعَطاءٍ ومُجاهِدٍ وبَكْرٍ المُزَنِيِّ، وإسحاقَ، وأصْحابِ الرَّأْيِ. وقال مالِكٌ، والشَّافِعِيُّ: لا شىءَ على الدَّالِّ؛ لأنَّه يُضْمَنُ بالجِنايَةِ، فلا يُضْمَنُ بالدَّلَالَةِ، كالآدَمِيِّ (٦). ولَنا، قولُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأصْحابِ أبِى قَتادَةَ: "هَلْ مِنْكُمْ أحَدٌ أمَرَهُ أنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا، أوْ أشَارَ إلَيْهَا؟ " ولأنَّه سَبَبٌ يُتَوَصَّلُ به إلى إتلافِ الصَّيْدِ، فتَعَلَّقَ به الضَّمانُ، كما لو نَصَبَ أُحْبُولَةً، ولأنَّه قولُ علىٍّ وابنِ عَبَّاسٍ. ولا نَعْرِفُ لهما مُخَالِفًا في الصَّحابَةِ.

فصل: فإن دَلَّ مُحْرِمًا على الصَّيْدِ، فقَتَلَهُ فالجَزَاءُ بينهما. وبه قال عَطاءٌ، وحَمَّادُ بنُ أبي سليمانَ. وقال الشَّعْبِيُّ، وسعيدُ بن جُبَيْرٍ، والحارِثُ العُكْلِيُّ، وأصْحابُ الرَّأْيِ: على كلِّ واحِدٍ جَزاءٌ؛ لأنَّ كُلَّ واحِدٍ من الفِعْلَيْنِ يَسْتَقِلُّ بِجزاءٍ كامِلٍ إذا كان مُنْفَرِدًا. فكذلك إذا انْضَمَّ إليه غيرُه. وقال مَالِكٌ، والشَّافِعِيُّ: لا ضَمَانَ على الدَّالِّ. ولَنا، أنَّ الوَاجِبَ جَزاءُ المُتْلَفِ، وهو واحدٌ (٧)، فيكون الجَزاءُ وَاحِدًا، وعلى قولِ (٨) مالِكٍ والشَّافِعِيِّ ما سَبَقَ، ولا فَرْقَ في جَمِيعِ ذلك بين كَوْنِ المَدْلُولِ [عليه] ظَاهِرًا أو خَفِيًّا لا يَرَاهُ إلَّا بالدَّلَالَةِ عليه. ولو دَلَّ مُحْرِمٌ مُحْرِمًا على صَيْدٍ، ثم دَلَّ الآخَرُ آخَرَ، ثم (٨) كذلك إلى عَشَرَةٍ، فقَتَلَهُ العاشِرُ، كان الجَزاءُ على جَمِيعِهم. وإن قَتَلَهُ الأوَّلُ، لم يَضْمَنْ غيرُه؛ لأنَّه لم يَدُلَّهُ عليه أحَدٌ، فلا يُشَارِكُه


(٦) سقط من: الأصل.
(٧) في الأصل: "الواحد".
(٨) سقط من: الأصل، أ، ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>