للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: وليس للبائِعِ الامْتِناعُ مِن تَسْلِيمِ المَبِيعِ بَعْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ لأجلِ الاسْتِبْرَاءِ. وبهذا قال أبو حنيفةَ، والشّافِعىُّ. وحُكِىَ عن مالِكٍ فى القَبِيحَةِ. وقال فى الجَمِيلَةِ: يَضَعُها على يَدَىْ عَدْلٍ حتى تُسْتَبْرَأَ؛ لأنَّ التُّهْمَةَ تَلْحَقُه فيها، فَمُنِعَ منها. ولنا، أنّه بَيْعُ عَيْنٍ لا خِيارَ فيها، قد قَبَضَ ثَمَنَها، فوَجَبَ تَسْلِيمُها، كسائِرِ المَبِيعاتِ، وما ذَكَرُوه مِن التُّهْمَةِ لا يُمَكِّنُه مِن التَّسَلُّطِ على مَنْعِه من قَبْضِ مَمْلُوكَتِه، كالقَبِيحَةِ. [ولأنَّه إذا] (١٨) كان اسْتَبْرَأها قبلَ بَيْعِها، فاحْتِمالُ وُجُودِ الحَمْلِ فيها بَعِيدٌ نادِرٌ، وإنْ كان لم يَسْتَبْرِئْها، فهو تَرَكَ التَّحَفُّظَ لنَفْسِه. ولو طالَبَ المُشْتَرِى البائِعَ بكَفِيلٍ، لَئِلّا تَظْهَرَ حامِلًا، لم يَكُنْ له ذلك؛ لأنَّه تَرَكَ التَّحَفُّظَ لنَفْسِه حالَ العَقْدِ، فلم يَكُنْ له كَفِيلٌ، كما لو طَلَبَ كَفِيلًا بالثَّمَنِ المُؤَجَّلِ.

٧٥٥ - مسألة؛ قال: (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الآبِقِ)

وجُمْلَتُه؛ أنَّ بَيْعَ العَبْدِ الآبِقِ لا يَصِحُّ، سواءٌ عَلِمَ مكانَه، أو جَهِلَه. وكذلك ما فى معناه مِن الجَمَلِ الشّارِدِ، والفَرَسِ العائِرِ (١)، وشِبْهِهما. وبهذا قال مالِكٌ، والشّافِعىُّ، وأبو ثَوْرٍ، وابنُ المُنْذِرِ، وأصحابُ الرَّأْىِ. وَرُوِىَ عن ابن عمرَ أنَّه اشْتَرَى مِن بعضِ وَلَدهِ بَعِيرًا شارِدًا. وعن ابنِ سِيرِينَ؛ لا بَأْسَ ببَيْعِ الآبِقِ، إذا كان عِلْمُهما فيه واحِدًا. وعن شُرَيْحٍ مِثْلُه. ولنا، ما رَوَى أبو هُرَيْرَةَ، قال: نَهَى رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-[عن بَيْعِ الحَصاةِ و] (٢) عن بَيْعِ الغَرَرِ. رواه مُسْلِمٌ (٣). وهذا بَيْعُ غَرَرٍ. ولأنّه غيرُ مَقْدُورٍ على تَسْلِيمِه، فلم يَجُزْ بَيْعُه، كالطَّيْرِ فى الهواءِ، فإنْ حَصَلَ فى يَدِ إنسانٍ، جازَ بَيْعُه؛ لإمكانِ تَسْلِيمِه.


(١٨) فى الأصل: "ولكنه إن".
(١) الفرس العائر: الذى انفلت من صاحبه.
(٢) سقط من: الأصل.
ويأتى تفسير بيع الحصاة فى الفصل الأول، من المسألة ٧٥٩.
(٣) فى: باب بطلان بيع الحصاة والبيع الذى فيه غرر، من كتاب البيوع. صحيح مسلم ٣/ ١١٥٣. =

<<  <  ج: ص:  >  >>