للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: وحكمُ الرِّدْءِ من القُطَّاعِ (١٨) حُكْمُ المُباشِرِ. وبهذا قال مالِكٌ، وأبو حَنيفةَ. وقال الشَّافِعِىُّ: ليس على الرِّدْءِ إلَّا التَّعْزِيرُ؛ لأنَّ الحَدَّ يجبُ بارْتكابِ الْمَعْصِيَةِ، فلا يتعلَّقُ بالمُعِينِ، كسائرِ الحُدودِ. ولَنا، أنَّه حُكْمٌ يتعلَّقُ بالمُحارَبَةِ، فاسْتَوَى فيه الرِّدْءُ والمُباشرُ، كاسْتِحْقاقِ الغنيمةِ؛ وذلك لأنَّ المُحارَبةَ مَبْنِيَّةٌ على حُصولِ الْمَنَعةِ والمُعاضَدَةِ والمُناصَرَةِ، فلا يتمكَّنُ المُباشِرُ من فِعْلِه إلَّا بقوَّةِ الرِّدْءِ، بخلافِ سائرِ الحدودِ. فعلى هذا، إذا قَتَلَ واحدٌ منهم، ثبتَ حكمُ القتل في حَقِّ جميعِهم، فيجبُ قتلُ جميعِهم. وإن قَتَلَ بعضُهم وأخذَ بعضُهم المالَ، جازَ قتلُهم وصَلْبُهم، كما لو فَعلَ الأمْرَيْن كُلُّ واحدٍ منهم.

فصل: وإن كان فيهم صَبِىٌّ، أو مجنونٌ، أو ذُو رَحِمٍ من المَقْطوعِ عليه، لم يسْقُطِ الحَدُّ عن غيرِه، في قولِ أكثرِ أهلِ العلمِ. وقال أبو حنيفةَ: يسْقُطُ الحَدُّ عن جميعِهم، ويصيرُ القتلُ للأوْلياءِ، إن شاءوا قَتَلُوا، وإن شاءُوا عَفَوْا؛ لأنَّ حكمَ الجميعِ واحِدٌ، فالشُّبْهَةُ في فعْلٍ واحدٍ شُبْهَةٌ في حَقِّ الجميعِ. ولَنا، أنَّهَا شُبْهَةٌ اخْتَصَّ بها واحِدٌ، فلم يسْقُطِ الحَدُّ عن الباقِين، كما لو اشتركُوا في وَطْءِ امرأةٍ. وما ذكرُوه لا أصْلَ له. فعلى هذا، لا حَدَّ على الصَّبِىِّ والمجنونِ وإن باشَرَا القتلَ وأخذَا المالَ؛ لأنَّهما ليسا من أهلِ الحدودِ، وعليهما ضمانُ ما أُخِذَ من المالِ في أمْوالِهما، ودِيَةُ قَتِيلِهما على عاقِلَتِهما، ولا شىءَ على الرِّدْءِ لهما؛ لأنَّه إذا لم يثْبُتْ ذلك للمُباشِرِ، لم يثْبُتْ لمن هو تَبَعٌ له بطَرِيقِ الأوْلَى. وإن كان المُباشِرُ غيرَهما، لم يَلْزَمْهُما شيءٌ؛ لأنَّهما لم يثْبُتْ في حَقِّهما حكمُ المُحاربَةِ، وثبوتُ الحُكْمِ في حَقِّ الرِّدْءِ ثبَتَ بالمُحاربَةِ.

فصل: وإن كان فيهم امرأةٌ، ثبتَ في حَقِّها حُكْمُ المُحاربَةِ، فمتى قَتلَتْ وأخذتِ المالَ، فحَدُّها حَدُّ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ. وبهذا قالَ الشَّافِعِىُّ. وقال أبو حَنيفةَ: لا يجبُ عليها الحَدُّ، ولا على مَن معها؛ لأنَّها ليستْ من أهلِ المُحاربَةِ، كالرَّجلِ (١٩)، فأشْبَهتِ


(١٨) في الأصل: "القطع".
(١٩) سقط من: الأصل، ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>