للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأحدُ قوْلَىِ الشَّافِعِىِّ؛ لقولِ اللَّه تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (٩). وهذا عامٌّ في [التَّائِب وغيرِه] (١٠). وقال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (١١). ولأنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- رجَم ماعِزًا والغامِدِيَّة، وقَطَعَ الذي أقَرَّ بالسَّرِقَةِ، وقد جاءُوا تائِبين يطْلُبون التَّطْهِيرَ بإقامةِ الحَدِّ، وقد سَمَّى رسولُ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِعْلَهم تَوْبَةً، فقال في حَقّ المرأة: "لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ عَلَى (١٢) أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ" (١٣). وجاء عمرو بن سَمُرَةَ إلى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: يا رسولَ اللَّه، إنِّي سَرَقْتُ جملًا لبنى فُلانٍ، فَطَهِّرْنِى] (١٤). وقد أقام رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الْحَدَّ عليهم. ولأنَّ الْحَدَّ كفارةٌ، فلم يسْقُطْ بالتَّوْبَةِ، ككفَّارةِ اليَمينِ والقتلِ، ولأنَّه مَقْدُورٌ عليه، فلم يسْقُطْ عنه الحَدُّ بالتَّوْبَةِ، كالمُحارِب بعدَ القُدْرةِ عليه. فإن قُلْنا بسُقوطِ الحَدِّ بالتَّوْبَةِ، فهل يسْقُطُ يمُجَرَّدِ التَّوْبةِ، أو بها مع إصْلاحِ العملِ؟ فيه وَجْهان؛ أحدُهما، يسْقُطُ بمُجَرَّدِها. وهو ظاهر قولِ أصْحابنا؛ لأنَّها تَوْبَةٌ مُسْقِطَةٌ للحَدِّ، فأشْبَهَتْ تَوْبةَ المُحارِبِ قبلَ القُدْرةِ عليه. والثانى، يُعْتَبَرُ إِصْلاحُ العملِ؛ لقولِ اللهِ تعالى: {فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا} (١٥). وقال: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ} (١٦). فعلى هذا القولِ، يُعْتَبَرُ مُضِىُّ مُدَّةٍ يُعْلَمُ بها صِدْقُ تَوْبَتِه، وصَلاحُ نِيَّتِه، وليست مُقدَّرَةً بمُدَّةٍ معلومةٍ. وقال بعضُ أصْحابِ الشافعىِّ: مُدَّةُ ذلك سَنَةٌ. وهذا تَوْقِيتٌ (١٧) بغيرِ تَوْقِيفٍ، فلا يَجوزُ.


(٩) سورة النور ٢.
(١٠) في م: "التائبين وغيرهم".
(١١) سورة المائدة ٣٨.
(١٢) في م زيادة: "سبعين".
(١٣) تقدم تخريجه، في صفحة ٣١١.
(١٤) تقدم تخريجه، في صفحة ٤٧٢.
(١٥) سورة النساء ١٦.
(١٦) سورة المائدة ٣٩.
(١٧) في الأصل: "توقيف". تحريف.

<<  <  ج: ص:  >  >>