للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الشَّافِعِىُّ في جَمِيعِهم: على كُلِّ واحِدٍ منهم دَمٌ. وعن أحمدَ، في الكافِرِ يُسْلِمُ، كقَوْلِه. ويَتَخَرَّجُ في الصَّبِىِّ والعَبْدِ كذلك، قِيَاسًا على الكافِرِ يُسْلِمُ؛ لأنَّهم تَجاوَزُوا المِيقاتَ بغيرِ إحْرامٍ وأحْرَمُوا دُونَه، فلزِمَهُم (١٢) الدَّمُ، كالمُسْلِمِ البالِغِ الحُرِّ (١٣). ولَنا، أنَّهم أحْرَمُوا من المَوْضِعِ الذي وَجَبَ عليهم الإِحْرامُ منه، فأشْبَهُوا المَكِّىَّ، ومَنْ قَرْيَتُه دُونَ المِيقَاتِ إذا أحْرَمَ منها، وفارَقَ مَن يَجِبُ عليه الإِحْرامُ إذا تَرَكَهُ؛ لأنَّه تَرَكَ الواجِبَ عليه. النوع الثالث: المُكَلَّفُ الذي يَدْخُلُ لغيرِ قِتالٍ ولا حاجَةٍ مُتَكَرِّرَةٍ، فلا يجوزُ له تَجاوُزُ المِيقاتِ غيرَ مُحْرِمٍ. وبه قال أبو حنيفةَ، وبعضُ أصْحابِ الشَّافِعِيِّ. وقال بَعْضُهم: لا يَجِبُ الإِحْرامُ عليه. وعن أحمدَ ما يَدُلُّ على ذلك. وقد رُوِىَ عن ابنِ عمرَ أنَّه دَخَلَها بغيرِ إحْرامٍ. ولأنَّه أحَدُ الحَرَمَيْنِ، فلم يَلْزَمِ الإِحْرامُ لِدُخُولِه، كحَرَمِ المَدِينَةِ، ولأنَّ الوُجُوبَ من الشَّرْعِ، ولم يَرِدْ من الشَّارِعِ إيجابُ ذلك على كُلِّ داخِلٍ، فبَقِىَ على الأصْلِ. وَوَجْهُ الأُولَى أنَّه لو نَذَرَ دُخُولَها، لَزِمَهُ الإِحْرامُ، ولو لم يكنْ وَاجِبًا لم يَجِبْ بِنَذْرِ الدُّخُولِ، كسائِرِ البُلْدانِ. إذا ثَبَتَ هذا فمتَى أرَادَ هذا الإِحْرَامَ بعدَ تَجَاوُزِ المِيقَاتِ، رَجَعَ فأحْرَمَ منه، فإن أحْرَمَ مِن دُونِه، فعليه دَمٌ، كالمُرِيد لِلنُّسُكِ.

فصل: ومن دَخَلَ الحَرَمَ بغيرِ إحْرامٍ، مِمَّنْ يَجِبُ عليه الإِحْرامُ، فلا قَضاءَ عليه. هذا قولُ الشَّافِعِىِّ. وقال أبو حنيفةَ: يَجِبُ عليه أن يَأْتِىَ بحَجَّةٍ أو عُمْرَةٍ، فإنْ أتَى بِحَجَّةِ الإِسلامِ في سَنَتِه، أو مَنْذُورَةٍ، أو عُمْرَةٍ، أجْزَأَهُ عن عُمْرَةِ الدُّخُولِ اسْتِحْسَانًا؛ لأنَّ مُرُورَه على المِيقاتِ مُرِيدًا لِلْحَرَمِ يُوجِبُ الإِحْرامَ، فإذا لم يَأْتِ به وَجَبَ قَضاؤُه، كالمَنْذُورِ (١٤). ولَنا، أنَّه مَشْرُوعٌ لِتَحِيَّةِ البُقْعَةِ، فإذا لم يَأْتِ به سَقَطَ، كتَحِيَّةِ المسجدِ. فإن قيل: تَحِيَّةُ المسجِدِ غيرُ وَاجِبَةٍ. قُلْنا:


(١٢) في الأصل، أ: "فلزم".
(١٣) في الأصل، ب، م: "العاقل".
(١٤) في الأصل: "كالنذر".

<<  <  ج: ص:  >  >>