للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٧٨٢ - مسألة؛ قال: (وَمَنْ حَلَفَ عَلَى شَىْءٍ يَظُنُّهُ كَمَا حَلَفَ، [فَلَمْ يَكُنْ] (١)، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لأَنَّهُ مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ)

أكثَرُ أهلِ العلمِ على أَنَّ هذه اليَمِينَ لا كَفَّارَةَ فيها. قالَه ابنُ المُنْذِر. يُرْوَى هذا عن ابنِ عَباسٍ، وأبى هُريرةَ، وأبى مالِكٍ، وزُرَارةَ بنِ أوْفَى، والحسنِ، والنَّخَعِىِّ، ومالِكٍ، وأبى حنيفةَ، والثَّوْرِىِّ. وممَّن قال: هذا لَغْوُ اليَمينِ. مجاهِد، وسليمانُ بنُ يَسارٍ، والأوْزَاعِىُّ، والثَّوْرِىُّ، وأبو حنيفةَ وأصْحابُه. وأكثرُ أهلِ العِلْمِ على أَنَّ لَغْوَ اليَمينِ لا كَفَّارَةَ فيه. قال ابنُ عبدِ البَرِّ: أجْمَعَ المسلمون على هذا. وقد حُكِىَ عن النَّخَعِىِّ فى الْيَمِينِ على شىءٍ يظُنُّه حَقًّا، فيَتَبينُ بخِلافِه، أنَّه من لَغْوِ اليَمِينِ، [وفيه الكَفَّارَةُ. وهو أحدُ قَوْلَى الشافِعِىِّ. ورُوِىَ عن أحمدَ، أَنَّ فيه الكَفَّارَةَ، وليس من لغْوِ الْيَمِينِ] (٢)؛ لأَنَّ اليمينَ باللَّه تعالَى وُجدَت مع المُخالَفَةِ، فأوْجَبَت الكَفَّارَةَ، كالْيَمِينِ على مُسْتَقْبَل ولَنا، قَوْلُ اللَّه تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِى أَيْمَانِكُمْ} (٣). وهذه منه، ولأَنَّها يمينٌ غيرُ مُنْعَقِدَةٍ، فلم تجِبْ فيها كَفَّارَةٌ، كيَمِينِ الغَمُوس، ولأنه غيرُ قاصِدٍ (٤) للمُخالَفَةِ، فأشْبَهَ ما لو حَنَثَ ناسِيًا. وفى الجُمْلَةِ، لا كفَّارَةَ فى يَمِينٍ على ماضٍ؛ لأنَّها تَنْقَسِمُ ثلاثةَ أَقْسامٍ؛ ما هو صادِقٌ فيه، فلا كَفَّارَةَ فيه إجْماعًا. وما تَعَمَّدَ الكَذِبَ فيه، فهو يَمِينُ الغَمُوسِ، لا كَفَّارَةَ فيها؛ لأنها أعْظَمُ من أَنْ تكونَ فيها (٥) كَفَّارَةٌ. وما يَظُنُّه حَقًّا، فيَتَبيَّنُ بخِلافِه، فلا كَفّارَةَ فيه؛ لأنَّه من لَغْوِ الْيَمِينِ. فأمَّا اليَمِينُ على المُسْتقْبَلِ، فما عقدَ عليه قَلْبَه، وقصَدَ اليَمِينَ عليه، ثم خالَفَ، فعليه الكَفَّارَةُ، وما لم يعْقِدْ عليه قَلْبَه، ولم يقْصِدِ اليَمِينَ عليه، وإنَّما جَرَت على لِسَانِه، فهو من لَغْوِ اليَمِينِ. وكلامُ عائِشَةَ يدُلُّ على هذا، فإنَّها قالتْ: أيمانُ اللَّغْوِ؛ ما كانَ فى المِراءِ والمُزَاحَةِ، والهَزْلِ، والحديثِ الذى لا يُعْقَدُ عليه القلبُ، وأيمانُ الكَفّارَةِ؛ كُلُّ يَمِينٍ حَلَفَ عليها على وَجْهٍ من الأمرِ، فى غَضَبٍ أو


(١) لم يرد فى: الأصل، أ.
(٢) سقط من: ب. نقل نظر.
(٣) سورة المائدة ٨٩.
(٤) فى م: "مقصود".
(٥) لم يرد فى: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>