للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنهما. وبه قال عَطاءٌ، والقاسِمُ، وعِكْرِمَةُ، والشَّعْبِىُّ، والشَّافِعِىُّ؛ لما رُوِىَ عن عَطاءٍ، قال: قالت عائِشَةُ: إِنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال، يَعْنِى اللَّغْو فى اليَمِينِ: "هُوَ كَلَامُ الرَّجُلِ فِى بَيْتِهِ: لَا وَاللَّهِ. وبَلَى (١) وَاللَّهِ". أخْرَجَه أبو داود (٢). قال: ورواه الزُّهْرِىُّ، وعبدُ المَلِكِ بنُ أبى سُلَيمان، ومالِكُ بنُ مِغْوَلٍ، عن عَطاءٍ، عن عائِشَةَ مَوْقُوفًا. ورَوَى الزُّهْرِىُّ، أن عُرْوةَ حَدَّثَه، عن عائِشَةَ، قالتْ: أيمانُ اللَّغْوِ، ما كان فى المِرَاءِ، والهَزْلِ، والْمُزاحَةِ، والحديثِ الذى لا يُعْقَدُ عليه القلبُ، وأيْمانُ الكَفّارَةِ كُلُّ يَمِينٍ حلَفَ عليها على وَجْهٍ من الأمْرِ، فى غضَبٍ أو غيرِه، ليفْعَلَنَّ، أو ليَتْرُكَنَّ، فذلك عَقْدُ الأَيْمانِ التى فَرَضَ اللَّه تعالَى فيها الكَفّارَةَ (٣) ولأنَّ اللَّغْوَ فى كلامِ العرَبِ الكلامُ غيرُ المعقودِ عليه. وهذا كذلك. وممَّنْ قال: لا كَفَّارَةَ فى هذا؛ ابنُ عبّاسٍ، وأبو هُرَيْرةَ، وأبو مالِكٌ، وزُرارَةُ بن أوْفَى (٤)، والحسنُ، والنَّخَعِىُّ، ومالِكٌ. وهو قولُ مَن قال: إنَّه من لَغْوِ الْيَمِينِ. ولا نعلمُ فى هذا خِلافًا. ووَجْهُ ذلك قولُ اللَّه تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِى أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} (٥). فجَعَلَ الكَفّارَةَ للْيَمِينِ التى يُؤاخَذُ بها، ونَفَى المُؤاخَذَةَ باللَّغْوِ، فلَزِمَ (٦) انْتِفاءُ الكفَّارَةِ، ولأنَّ المُؤاخَذَةَ يَحْتَمِلُ أَنْ يكونَ مَعْناها إيجابَ الكَفَّارَةِ، بدليلِ أَنّها تَجبُ فى الأيْمانِ التى لا مَأْثَمَ فيها، وإذا كانت المُؤَاخَذَةُ إيجابَ الكَفَّارَةِ، فقد نَفاها فى اللَّغْوِ، فلا تَجِبُ، ولأن قولُ مَن سَمَّيْنا من الصَّحابَةِ، ولم نَعْرِفْ لهم مُخالِفًا فى عَصْرِهم، فكان إجماعًا، ولأَنَّ قولَ عائِشَةَ فى تفسيرِ اللَّغْوِ، وبَيانِ الأَيْمانِ التى فيها الكَفَّارَةُ، خَرَجَ منها تفسيرًا لكلامِ اللَّهِ تعالى، وتَفْسِيرُ الصَّحابِىِّ مَقْبولٌ.


(١) سقطت الواو من: ب.
(٢) فى: باب لغو اليمين، من كتاب الأيمان والنذور. سنن أبى داود ٢/ ٢٠٠.
(٣) أخرجه البيهقى، فى: باب لغو اليمين، من كتاب الأيمان. السنن الكبرى ١٠/ ٤٩. وأخرج عبد الرزاق نحوه، باب اللغو وما هو؟ ، من كتاب الأيمان والنذور. المصنف ٨/ ٤٧٤.
(٤) زرارة بن أوفى العامرى البصرى القاضى، تابعى ثقة، توفى سنة ثلاث وتسعين. تهذيب التهذيب ٣/ ٣٢٢، ٣٢٣.
(٥) سورة المائدة ٨٩.
(٦) فى أ، ب، م: "فيلزم".

<<  <  ج: ص:  >  >>