الاسْتِحْبابِ؛ فإنَّه لا يُسْتَحَبُّ للبائِعِ أن يَأْخُذَ من المُشْتَرِى ما ليس بِحَقٍّ له، بل ذلك حرامٌ عليه، فكيف يكون مُسْتَحَبًّا! وعن أحمدَ، أنَّهما يَتَصَدَّقانِ بالزِّيادَةِ، وهو قولُ الثَّوْرِيِّ، ومحمدِ بن الحسنِ؛ لأنَّ عَيْنَ المَبِيعِ زادَ بجهةٍ مَحْظُورَةٍ، قال الثَّوْرِيُّ: إذا اشْتَرَى قَصِيلًا يَأْخُذُ رَأْسَ مالِه، ويَتَصَدَّقُ بالبَاقِى. ولأنَّ الأَمْرَ اشْتَبَه في هذه الزِّيادَةِ وفي مُسْتَحِقِّها، فكان الأولَي الصَّدَقَةَ بها، ويُشْبِهُ أن يكونَ هذا اسْتِحْبابًا؛ لأنَّ الصَّدَقَةَ بالشُّبُهاتِ مُسْتَحَبَّةٌ. وإن أَبَيَا الصَّدَقَةَ بها، اشْتَرَكا فيها، والزِّيادَةُ هى ما بين قِيمَتِها حين الشِّرَاءِ، وقِيمَتِها يومَ أخْذِها. قال القاضى: ويحتَمِلُ أنَّها ما بين قِيمَتِها قبلَ بُدُوِّ صَلاحِها وقيمَتِها بعدَه؛ لأنَّ الثَّمرَةَ قبلَ بُدُوِّ صَلاحِها، كانَتْ لِلْمُشْتَرِى بِتَمامِها، لا حَقَّ للبائِعِ فيها. وقال الثَّوْرِيُّ: يأخُذُ المُشْتَرِى رَأْسَ مالِه، ويَتَصَدَّقُ بالباقِى. وكذلك الحُكْمُ في الرَّطبَةِ إذا طالَتْ، والزَّرْعِ الأخضرِ إذا أَدْجَنَ. وهذا فيما إذا لم يُقْصَدْ وَقْتَ الشِّرَاءِ تَأْخِيرُه، ولم يُجْعَلْ شِراؤُه بِشَرْطِ القَطْعِ حِيلَةً، على المَنْهِيِّ عنه من شِراءِ الثَّمَرةِ قبلَ بُدُوِّ صَلاحِها، لِيَتْرُكَها حتى يَبْدُوَ صَلاحُها، فأمَّا إن قَصَدَ ذلك، فالبَيْعُ باطِلٌ من أصْلِه؛ لأنَّه حِيلَةٌ مُحَرَّمَةٌ. وعند أبى حنيفةَ، والشَّافِعِيِّ، لا حُكْمَ لِقَصْدِه، والبَيْعُ صَحِيحٌ، قَصَدَ أو لم يَقْصِدْ، وأصْلُ هذا، الخِلَافُ في تَحْرِيمِ الحِيَلِ، وقد سَبَقَ الكَلامُ في هذا.
وجملةُ ذلك، أنَّه إذا بَدَا الصَّلَاحُ في الثَّمَرةِ، جَازَ بَيْعُها مُطْلَقًا، وبِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ إلى حالِ الجِزَازِ، وبِشَرْطِ القَطْعِ. وبذلك قال مالكٌ، والشَّافِعِيُّ. وقالَ أبو حنيفَةَ وأصحابُه: لا يجوزُ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ. إلَّا أنّ محمّدًا قال: إذا تَناهَى عِظَمُها، جازَ. واحْتَجُّوا بأنّ هذا شَرْطُ الانْتفاعِ بمِلْكِ البائِعِ على وَجْهٍ لا يَقْتَضِيه العَقْدُ، فلم يَجُزْ، كما لو شَرَطَ تَبْقِيَةَ الطَّعامِ في كُنْدوجِه (١). ولَنا، أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عن بَيْعِ