للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: وتَصِحُّ الكَفَالَةُ بِبَدَنِ كلِّ مَن يَلْزَمُ حُضُورُه في مَجْلِسِ الحُكْمِ بِدَيْنٍ لَازِمٍ، سواءٌ كان الدَّيْنُ مَعْلُومًا أو مَجْهُولًا. وقال بعضُ الشَّافِعِيَّةِ (٤): لا تَصِحُّ بمَن عليه دَيْنٌ مَجْهُولٌ؛ لأنَّه قد يَتَعَذَّرُ إحْضَارُ المَكْفُولِ به، فيَلْزَمُه الدَّيْنُ، ولا يُمْكِنُ طَلَبُه منه لِجَهْلِهِ. ولَنا، أنَّ الكَفَالَةَ بالبَدَنِ لا بالدَّيْنِ، والبَدَنُ مَعْلُومٌ، فلا تَبْطُلُ الكَفَالَةُ لِاحْتِمَالٍ عَارِضٍ، ولأنَّا قد تَبَيَّنَّا أنَّ ضَمانَ المَجْهُولِ يَصِحُّ، وهو الْتِزَامُ المالِ ابْتِدَاءً، فالكَفَالَةُ التي لا تَتَعَلَّقُ بالمالِ ابْتِدَاءً أَوْلَى (٥). وتَصِحُّ الكَفالةُ بالصَّبِىِّ والمَجْنُونِ؛ لأنَّهما قد يَجِبُ إحْضارُهما مَجْلِسَ الحُكْمِ لِلشَّهَادَةِ عليهما بالإِتْلَاف، وإِذْنُ (٦) وَلِيِّهِما يَقُومُ مَقامَ إِذْنِهما. وتَصِحُّ الكَفَالَةُ بِبَدَنِ المَحْبُوسِ والغَائِبِ. وقال أبو حنيفةَ: لا تَصِحُّ. ولَنا، أنَّ كلَّ وَثِيقةٍ صَحَّتْ مع الحُضُورِ صَحَّتْ مع الغَيْبَةِ والحَبْسِ, كالرَّهْنِ والضَّمانِ، ولأنَّ الحَبْسَ لا يَمْنَعُ من التَّسْلِيمِ، لكَوْنِ المَحْبُوسِ يُمْكِنُ تَسْلِيمُه بأَمْرِ الحاكِم، أو أَمرِ من حَبَسَهُ، ثم يُعِيدُه إلى الحَبْسِ بالحَقَّيْنِ جَمِيعَا، والغائِبُ يَمْضِى إليه فيُحْضِرُهُ إن كانت الغَيْبَةُ غيرَ مُنْقَطِعَةٍ، وهو أن يَعْلَمَ خَبَرَهُ، وإن لم يَعْلَمْ خَبَرَهُ، لَزِمَهُ ما عليه: قالَه القاضي. وقال في مَوْضِعٍ آخَرَ: لا يَلْزَمُه ما عليه حتى تَمْضِىَ مُدَّةٌ يُمْكِنُه الرَّدُّ فيها، فلا يَفْعَلُ.

فصل: ولا تَصِحُّ الكَفَالَةُ بِبَدَنِ مَن عليه حَدٌّ، سواءٌ كان حَقًّا للَّه تعالى، كحَدِّ الزِّنَى والسَّرِقَةِ، أو لآدَمِىٍّ، كحَدِّ القَذْفِ والقِصَاصِ. وهذا قَوْلُ أكثَرِ أهْلِ العِلْمِ؛ منهم شُرَيْحٌ، والحَسَنُ. وبه قال إسحاقُ، وأبو عُبَيْدٍ، وأبو ثَوْرٍ، وأصحابُ الرَّأْىِ. وبه قال الشَّافِعِىُّ في حُدُودِ اللَّه تعالى، واخْتَلَفَ قولُه في حُدُودِ الآدَمِىِّ، فقال في مَوْضِعٍ: لا كَفَالَةَ في حُدُودِ (٧) الآدَمِىِّ (٨) ولا لِعَانَ. وقال في مَوْضِعٍ: تَجُوزُ الكَفَالَةُ بمَن عليه حَقٌّ أو


(٤) في م: "أصحاب الشافعي".
(٥) من هنا إلى آخر قوله: "إذنهما" الآتى سقط من: الأصل.
(٦) في ب: "فإذن".
(٧) سقط من: الأصل، أ. وفى ب: "حد".
(٨) سقط من: الأصل، أ، ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>