للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: فأمَّا الأعْيَانُ المَضْمُونَةُ، كالمَغْصُوبِ، والعَوَارِى، والمَقْبُوضِ بِبَيْعِ فَاسِدٍ، والمَقْبُوضِ على وَجْهِ السَّوْمِ، ففيها وَجْهانِ؛ أحَدُهما، لا يَصِحُّ الرَّهْنُ بها. وهو مذهبُ الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّ الحَقَّ غيرُ ثَابِتٍ فى الذِّمَّةِ، فأشْبَهَ ما ذَكَرْنَا، ولأنَّه إن رَهَنَهُ على قِيمَتِها إذا تَلِفَتْ، فهو رَهْنٌ على ما ليس بوَاجِبٍ، ولا يُعْلَمُ إفْضَاؤُه إلى الوُجُوبِ. وإن أخَذَ الرَّهْنَ على عَيْنِها، لم يَصِحَّ؛ لأنَّه لا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ عَيْنِها من الرَّهْنِ، فأَشْبَهَ أثْمَانَ البِياعَاتِ المُتَعَيَّنَة. والثانى، يَصِحُّ أخْذُ الرَّهْنِ بها. وهو مذهبُ أبى حنيفةَ، وقال: كلُّ عَيْنٍ كانتْ مَضْمُونَةً بِنَفْسِها، جَازَ أخْذُ الرَّهْنِ بها. يُرِيدُ ما يُضْمَنُ بمِثْلِه أو قِيمتِه، كالمَبِيعِ يجوزُ أخْذُ الرَّهْنِ بِهِ (١١)؛ لأنَّه مَضْمُونٌ بِفَسَادِ العَقْدِ، لأنَّ مَقْصُودَ الرَّهْنِ الوَثيِقَةُ بالحَقِّ، وهذا حَاصِلٌ، فإنَّ الرَّهْنَ بهذه الأعْيَانِ يَحْمِلُ الرَّاهِنَ على أدَائِها. وإن تَعَذَّرَ أدَاؤُها، اسْتَوْفَى بَدَلَها من ثَمَنِ الرَّهْنِ (١٢)، فأشْبَهَتِ الدَّيْنَ فى الذِّمَّةِ.

فصل: قال القاضى: كلُّ ما جازَ أخْذُ الرَّهْنِ به، جازَ أخْذُ الضَّمِينِ به، وما لم يَجُزِ الرَّهْنُ به، لم يَجُزْ أخْذُ الضَّمِينِ به، إلَّا ثلاثَةَ أشْيَاءٍ؛ عُهْدَةُ المَبِيعِ يَصِحُّ ضَمَانُها ولا يَصِحُّ الرَّهْنُ بها، والكِتَابَةُ لا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِدَيْنِهَا، وفى ضَمَانِها رِوَايَتَانِ، وما لم يَجِبْ لا يَصِحُّ الرَّهْنُ به ويَصِحُّ ضَمَانُه، والفَرْقُ بينهما من وَجْهَيْنِ. أحَدِهما، أنَّ الرَّهْنَ بهذه الأَشْيَاءِ يُبْطِلُ الإرْفَاقَ، فإنَّه إذا باعَ عَبْدَهُ بأَلْفٍ، ودَفَعَ رَهْنًا يُسَاوِى ألْفًا، فكأنَّه ما قَبَضَ الثَّمَنَ، ولا ارْتَفَقَ به، والمُكَاتَبُ إذا دَفَعَ ما يُسَاوِى كِتَابَتَهُ، فما ارْتَفَقَ بالأَجَلِ؛ لأنَّه كان يُمْكِنُه بَيْعُ الرَّهْنِ أو بَقاءُ الكِتَابَةِ، ويَسْتَرِيحُ من تَعْطِيلِ مَنَافِع عَبْدِه، والضَّمَانُ بخِلَافِ هذا. الثانى، أنَّ ضَرَرَ الرَّهْنِ يَعُمُّ؛ لأنَّه يَدُومُ بَقَاؤُه عند المُشْتَرِى، فيَمْنَعُ البَائِعَ التَّصَرُّفَ فيه، والضَّمَانُ بخِلَافِهِ.


(١١) سقط من: أ، م.
(١٢) فى أ، م: "الراهن".

<<  <  ج: ص:  >  >>