للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهل الجَمْعُ بينهما وَاجِبٌ؟ وقد تَوَقَّفَ أحمدُ عنه، فيُخَرَّجُ فيها وَجْهَانِ: أحَدُهما، وُجُوبُه؛ لِلْخَبَرِ، ولِأنَّ العِمَامَةَ نَابَتْ عَمَّا اسْتَتَرَ، فبَقِىَ الباقِى على مُقْتَضَى الأصْلِ، كالجَبِيرَةِ. والثانِى، لا يَجِبُ؛ لأنَّ العِمامةَ نَابَتْ عَن الرَّأْسِ، فتَعَلَّقَ الحُكْمُ بها، وانْتَقَلَ الفَرْضُ إليها، فلم يَبْقَ لما ظَهَرَ حُكْمٌ، ولأنَّ وُجُوبَهما مَعًا يُفْضِى إلى الجمعِ بَيْنَ بَدَلٍ ومُبْدَلٍ في عُضْوٍ وَاحِدٍ، فلم يَجُزْ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، كالخُفِّ. وعلى هذا تُخَرَّجُ الجَبِيرَةُ.

ولا خِلَافَ في أنَّ الأُذُنَيْنِ لا يَجِبُ مَسْحُهُما؛ لأنَّه لم يُنْقَلْ ذلك، ولَيْسا مِن الرَّأْسِ، إلَّا على وَجْهِ التَّبَعِ.

فصل: وإنْ نَزَعَ العِمَامَةَ بعدَ المَسْحِ عليها، بَطَلَتْ طَهَارَتُه، نَصَّ عليه أحمدُ. وكذلك إن انْكَشَفَ رَأْسُهُ، إلَّا أنْ يكونَ يَسِيرًا، مِثْلُ إنْ حَكَّ رَأْسَه، أو رفَعَها لأَجْلِ الوُضُوءِ، فلا بَأْسَ. قال أحمدُ: إذا زَالَت العِمَامَةُ عن هامَتِهِ، لا بَأْسَ، ما لم يَنْقُضْها، أو يَفْحُشْ ذلك. وذلك لأنَّ هذا مِمَّا جَرَتِ العادَةُ به، فَيَشُقُّ التَّحَرُّزُ عنه. وإنْ انْتَقَضَتِ العِمَامَةُ بعدَ مَسْحِها، بَطَلَتْ طَهَارَتُهُ؛ لأنَّ ذلك بِمَنْزَلَةِ نَزْعِها. وإن انْتَقَضَ بَعْضُها، ففيه رِوَايَتان، ذَكَرَهُما ابنُ عَقِيلٍ: إحْدَاهُما، لا تَبْطُلُ طَهَارَتُه؛ لأنَّه زال بَعْضُ المَمْسُوحِ عليهِ، مع بَقَاءِ العُضْوِ مَسْتُورًا، فلم تَبْطُل الطَّهَارَةُ، كَكَشْطِ الخُفِّ، مع بَقَاءِ البِطَانَةِ. والثانِيةُ: تَبْطُلُ. قال القاضي: لو انْتَقَضَ مِنْها كَوْرٌ وَاحِدٌ، بَطَلَتْ؛ لأنَّه زال المَمْسُوحُ عليه، فأَشْبَهَ نَزْعَ الخُفِّ.

فصل: واخْتُلِفَ في وُجُوبِ اسْتِيعَابِ العِمَامَةِ بالمَسْحِ؛ فرُوِىَ عن أحمدَ أنَّه قال: يَمْسَحُ على العِمَامَةِ، كما يَمْسَحُ على رَأسِهِ. فيَحْتَمِلُ أنَّه أرَادَ التَّشْبِيهَ في صِفَةِ المَسْحِ دُونَ الاسْتِيعَابِ، وأنَّه يُجْزِىءُ مَسْحُ بَعْضِها، لأنَّها (١٠) مَمْسُوحٌ على وَجْهِ الرُّخْصَةِ، فأَجْزَأَ مَسْحُ بَعْضِه، كَالخُفِّ. ويَحْتَمِلُ أنَّه أرَاد التَّشْبِيهَ في الاسْتِيعَابِ، فيَخْرُجُ فيها مِنَ الخِلَافِ ما في وُجُوبِ اسْتِيعَابِ الرَّأْسِ، وفيه رِوَايَتانِ؛ أظْهَرُهما وُجُوبُ اسْتِيعَابِهِ بالمَسْحِ. فكذلك في العِمَامَةِ؛ لأَنَّ مَسْحَ العِمَامَةِ بَدَلٌ مِن


(١٠) في م: "لأنه".

<<  <  ج: ص:  >  >>