للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْهُ فِيهِ اخْتِلافًا، وهو مَذْهَبُ الشافِعِىِّ، وأبِى ثَوْرٍ، وأبِى عُبَيْدٍ. وحَكَى أبُو الخَطَّاب رِوَايةً أخْرَى عن أَحْمد أنَّه غَيْرُ واجِبٍ. وهذا مَذْهَبُ مالِكٍ، والثَّوْرِى، وأَصْحابِ الرأى، ورُوِىَ أيضًا عن سَعِيد بنِ المُسَيَّبِ، وعَطاء، والحَسَن. ورُوِىَ عن عَلِىٍّ ومَكْحُول، والنَّخَعِىِّ، والزُّهْرِىِّ، والأَوْزَاعِىِّ، فِيمَنْ نَسِىَ مَسْحَ رَأْسِهِ، فرَأَى في لِحْيَتِه بَلَلًا: يَمْسَحُ رَأْسَه بهِ، ولَمْ يَأْمُرُوهُ بإِعادَةِ غَسْلِ رِجْلَيْه. واخْتَارَه ابنُ المُنْذِر؛ لأنَّ اللهَ تَعالَى أمَرَ بغَسْلِ الأَعْضاءِ، وعَطَفَ بَعْضَها عَلَى بَعْضِ بِوَاوِ الجَمْع، وهى لا تَقْتَضِى التَّرْتِيبَ، فكَيْفَما غَسَلَ كان مُمْتَثِلًا، ورُوِىَ عن عَلِىٍّ وابنِ مَسْعُودٍ: ما أُبَالِى بأَىِّ أعْضَائِى بَدَأْتُ. وقال ابنُ مَسْعُود: لا بَأْسَ أنْ تَبْدَأَ بِرِجْلَيْكَ قَبْلَ يَدَيْكَ في الوُضُوءِ. ولَنَا أنَّ في الآيةِ قَرِينَةً تَدُلُّ عَلَى أنه أُرِيدَ بها التَّرْتِيب؛ فإنَّه أَدْخَلَ مَمْسُوحًا بَيْنَ مَغْسُولَيْنِ، والعَرَبُ لا تَقْطَعُ النَّظِيرَ عَنْ نَظِيرِهِ إلَّا لِفَائِدَةٍ، والفائِدَةُ ههُنَا التَّرْتِيبُ. فإنْ قِيلَ: فائِدَتُه اسْتِحْبابُ التَّرْتِيبِ. قُلْنَا: الآيةُ ما سِيقَتْ إلَّا لِبَيانِ الوَاجِب؛ ولهذا لَمْ يَذْكُرْ فيها شيئًا من السُّنَن، ولأَنَّه مَتَى اقْتَضَى اللَّفْظُ التَّرْتِيبَ كان مَأَمُورًا به، والأمْرُ يَقْتَضِى الوُجُوب، ولأن كُلّ مَنْ حَكَى وُضُوءَ رَسُولِ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- حَكَاهُ مُرَتَّبًا، وهو مُفَسِّرٌ لِمَا في كِتَابِ اللهِ تَعالَى، وتَوَضَّأ مُرَتِّبًا، وقال: "هذا وُضُوءٌ لا يَقْبَلُ اللهُ الصَّلاةَ إلَّا به" (١). أي بِمِثْلِه، وما رُوِىَ عن عَلِىٍّ وابنِ مَسْعُودٍ قال أحمد: إنّما عَنَيَا بِهِ اليُسْرَى قَبْلَ اليُمْنَى، لأنَّ مَخْرَجَهُما من الكتابِ واحِدٌ. ثم قال أحْمَد: حَدَّثنَا جَرِير، عن قَابوُس، عن أبِيهِ، أنَّ عَلِيًّا سُئِلَ، فَقِيلَ له: أحَدُنَا يَسْتَعْجِلُ، فيَغْسِلُ شيئًا قَبْلَ شَىءٍ؟ قال: لا. حَتَّى يَكُونَ كما أمَرَ اللهُ تَعالَى، والرِّوايةُ الأُخْرَى عن ابنِ مَسْعُودٍ، ولا يُعْرَفُ لها أصْلٌ.

فصل: ولا يَجِبُ التَّرْتِيبُ بَيْنَ اليُمْنَى واليُسْرَى، لا نَعْلَمُ فيه خِلَافًا، لأنَّ مَخْرَجَهُما في الكِتابِ واحدٌ. قال اللهُ تَعالَى: {وَأَيْدِيَكُمْ} و {وَأَرْجُلَكُمْ}.


(١) أخرجه ابن ماجه، في: باب ما جاء في الوضوء مرة ومرتين وثلاثا، من كتاب الطهارة، عن ابن عمر، قال: توضأ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- واحدة، فقال: "هذا وضوء من لا يقبل اللَّه منه صلاة إلا به". . . إلخ. سنن ابن ماجه ١/ ١٤٥. والإمام أحمد، في: المسند ٢/ ٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>