للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرابع، أن يَظْهَرَ منه ما يَدُلُّ على الرِّضا من غيرِ تَصْرِيحٍ، فقال القاضى: لا تَحْرُمُ المُساوَمَةُ. وذكَرَ أنَّ أحْمَدَ نَصَّ عليه فى الخِطْبَةِ، اسْتِدْلالًا بِحَدِيثِ فاطِمةَ. ولأنَّ الأصْلَ إباحَةُ السَّوْمِ والخِطْبَةِ، فَحَرُمَ منه (١٠) ما وُجِدَ فيه التَّصْرِيحُ بالرِّضا، وما عَداهُ يَبْقَى على الأصْلِ. ولو قيل بالتَّحْرِيمِ هَاهُنا، لَكان وَجْهًا حَسَنًا، فإنَّ النَّهْىَ عَامٌّ خَرَجَتْ منه الصُّوَرُ المَخْصُوصَةُ بِأدِلَّتِها، فتَبْقَى هذه الصُّورَةُ على مُقْتَضَى العُمُومِ. ولأنَّه وُجِدَ منه دَلِيلُ الرِّضا، أشْبَه ما لو صَرَّحَ به، ولا يَضُرُّ اخْتِلَافُ الدَّلِيلِ بعد التَّسَاوِى فى الدَّلالَةِ، وليس فى حَدِيثِ فَاطِمَةَ ما يَدُلُّ على الرِّضَا؛ لأنَّها جَاءَتْ مُسْتَشِيرَةً للنَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وليس ذلك دَلِيلًا على الرِّضا، فكيف تَرْضَى وقد نَهَاهَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقولِه: "لا تَفُوتِينَا بنَفْسِكِ". فلم تكن تَفْعَل شيئًا قبل مُرَاجَعَةِ النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. والحُكْمُ فى الفَسادِ كالحُكْمِ فى البَيْعِ على بَيْعِ أخِيهِ، فى المَوْضِعِ الذى حَكَمْنا بالتَّحْرِيمِ فيه.

فصل: بَيْعُ التَّلْجِئَةِ باطِلٌ. وبه قال أبو يوسفَ، ومحمدٌ. وقال أبو حنيفةَ، والشَّافِعِىُّ: هو صَحِيحٌ؛ لأنَّ البَيْعَ تَمَّ بأرْكَانِه وشُرُوطِه، خَالِيًا عن مُقَارَنَةِ مُفْسِدٍ، فصَحَّ، كما لو اتَّفَقَا على شَرْطٍ فاسِدٍ، ثمَّ عَقَدَا البَيْعَ بغيرِ شَرْطٍ. ولَنا، أنَّهما ما قَصَدا البَيْعَ، فلم يَصِحَّ منهما كالهَازِلَيْنِ، ومَعْنَى بَيْعِ التَّلْجِئَةِ، أن يَخَافَ أن يَأْخُذَ السُّلْطَانُ أو غيرُه مِلْكَه، فَيُوَاطِىءَ رَجُلًا على أن يُظْهِرا أنَّه اشْتَراهُ منه، لِيَحْتَمِىَ بذلك، ولا يُرِيدَانِ بَيْعًا حَقِيقِيًّا.

٧٦٣ - مسألة؛ قال: (فَإنْ بَاعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ، فَالْبيْعُ بَاطِلٌ)

وهو أن يَخْرُجَ الحَضَرِىُّ إلى البَادِى، وقد جَلَبَ السِّلْعَةَ، فَيُعَرِّفَه السِّعْرَ، ويقولَ: أنا أَبِيعُ لك. فنَهَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ذلك، فقال: "دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقِ


= ما جاء أن لا يخطب الرجل على خطبة أخيه، من أبواب النِّكاح. عارضة الأحوذى ٥/ ٧٣. والنسائى، فى: باب إذا استشارت المرأة رجلًا فى من يخطبها هل يخبرها بما يعلم، من كتاب النِّكاح. المجتبى ٦/ ٦٢. والإمام مالك، فى: باب ما جاء فى نفقة المطلقة، من كتاب الطلاق. الموطأ ٢/ ٥٨١.
(١٠) فى أ، م: "منع".

<<  <  ج: ص:  >  >>