للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنْسانًا على أخْذِ ثَوْبِه، ودَفَعَ إليه دِرْهمًا. الثالث، أنَّه يَرْفَعُها إلى الحاكِمِ، لِيَبِيعَها، ويَدْفَعَ إليه ثَمَنها عِوَضًا عن مالِه. والوَجْهُ الثاني أقْرَبُ إلى الرِّفْقِ بالناسِ؛ لأنَّ فيه نَفْعًا لمن سُرِقَتْ ثِيَابُه، بِحُصُولِ عِوَضٍ عنها، ونَفْعًا لِلسَّارِقِ بالتَّخْفِيفِ عنه من الإِثْمِ، وحِفْظًا لهذه الثِّيابِ المَتْرُوكةِ من الضَّيَاعِ، وقد أباحَ بعضُ أهْلِ العِلْمِ لمن له على إنْسانٍ حَقٌّ من دَيْنٍ أو غَصْبٍ، أن يَأْخُذَ من مالِ مَنْ عليه الحَقُّ بِقَدْرِ ما عليه، إذا عَجَزَ عن (٢٢) اسْتِيفَائِه بغير ذلك، فهنا مع رِضَاءِ مَنْ عليه الحَقُّ بأخْذِه أَوْلَى. وإن كانت ثمَّ قَرِينَةٌ دَالَّة على أنَّ الآخِذَ لِلثِّيابِ إنَّما أخَذَها ظَنًا منه أنَّها ثِيَابُه، مثل أن تكونَ المَتْرُوكَةُ خَيْرًا من المأْخُوذَةِ أو مثلَها، وهى ممَّا (٢٣) تَشْتَبِه بها، فيَنْبَغِى أن يُعَرِّفَها ههُنا؛ لأنَّ صَاحِبَها لم يَتْرُكْها عَمْدًا، فهى بمَنْزِلَةِ الضائِعَةِ منه. والظاهِرُ أنَّه إذا عَلِمَ بها، أخَذَها وَرَدَّ ما كان أخَذَه، فتَصِيرُ كاللُّقَطَةِ في المَعْنَى، وبعدَ التَّعْرِيفِ إذا لم تُعْرَفْ، ففيها الأَوْجُهُ التي ذَكَرْناها، إلَّا أنَّنا إذا قُلْنا يَأْخُذُها أو يَبِيعُها الحاكِمُ ويَدْفَعُ إليه ثَمَنَها، فإنَّما يَأْخُذُ بِقَدْرِ قِيمَةِ ثِيَابِه، لا يَزِيدُ عليها؛ لأنَّ الزَّائِدَ فاضِلٌ عَما يَسْتَحِقُّه، ولم يَرْضَ صاحِبُها بِتَرْكِها عِوَضًا عمَّا أخَذَه، فإنَّه لم يَأْخُذْ غيرَها اخْتِيارًا منه لِتَرْكِها، ولا رَضِىَ بالمُعَاوَضةِ بها. وإذا قُلْنَا: إنَّه يَدْفَعُها إلى الحاكمِ لِيَبِيعَها، ويَدْفَعَ إليه ثَمَنَها. فله أن يَشْتَرِيَها بثَمَنٍ في ذِمَّتِه، ويُسْقِطَ عنه من ثمَنِها ما قابَلَ ثِيَابَه، ويَتَصَدَّقَ بالباقِى. واللَّه أعلمُ.

فصل: قال أحمدُ، في من عندَه رُهُونٌ، قد أتَى عليها زَمَانٌ لا يُعْرَفُ صاحِبُها: يَبِيعُها، ويَتَصَدَّقُ بثَمَنِها، فإنْ جاءَ صاحِبُها غَرِمَها له. وهذا مَحْمولٌ على مَن اسْتَوْفَى دُيُونَه التي رَهَنَ الرَّهْنَ بها، فأمَّا من لم يَسْتَوْفِ دَيْنَه، فإن كان قد أذِنَ له في بَيْعها،


(٢٢) سقط من: م.
(٢٣) في م: "وما".

<<  <  ج: ص:  >  >>