للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أرَاكُم عنها مُعْرِضِينَ؟ واللهِ لأرْمِيَنَّ بها بين أكْتَافِكُمْ (١٠). وأكْثَرُ الفُقَهَاءِ لا يُوجِبُونَ التَّمْكِينَ من هذا، ويَحْمِلُونَ الحَدِيثَ على كَرَاهَةِ المَنْعِ لا على تَحْرِيمِه. ولأنَّ الحائِطَ يُبْنَى لذلك، فيُرَجَّحُ به، كالأَزَجِ. وقال أصْحابُ أبى حنيفةَ: لا تُرَجَّحُ الدَّعْوَى بالجِذْعِ الواحِدِ؛ لأنَّ الحَائِطَ لا يُبْنَى له، ويُرَجَّحُ بالجِذْعَيْنِ؛ لأنَّ الحَائِطَ يُبْنَى لهما. ولَنا، أنَّه مَوْضُوعٌ على الحَائِطِ، فاسْتَوَى فى تَرْجِيحِ الدَّعْوَى به قَلِيلُه وكثِيرُه، كالبِنَاءِ.

فصل: ولا تُرَجَّحُ الدَّعْوَى بكَوْنِ الدَّوَاخِلِ إلى أحَدِهما والخَوَارِجِ ووُجُوهِ الآجُرِّ والحِجَارَةِ، ولا كَوْنِ الآجُرَّةِ الصَّحِيحَةِ ممَّا يَلِى مِلْكَ أحَدِهِما وأَقْطَاعِ الآجُرِّ إلى مِلْكِ الآخَرِ، ولا بمَعَاقِدِ القِمْطِ فى الخُصِّ، يَعْنِى عَقْدَ الخُيُوطِ التى يُشَدُّ بها الخُصُّ. وبهذا قال أبو حنيفةَ، والشَّافِعِىُّ. وقال أبو يوسفَ، ومحمدٌ: يُحْكَمُ به لمَن إليه وَجْهُ الحائِطِ ومعَاقِدُ القِمْطِ؛ لما رَوَى [نِمْرَانُ بن جَارِيَةَ] (١١) التَّمِيمِىُّ، عن أبِيهِ، أنَّ قَوْمًا اخْتَصَمُوا إلى النبىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فى خُصٍّ، فبَعَثَ حُذَيْفَةَ بن اليَمَانِ لِيَحْكُمَ بينهم، فحَكَمَ به لمَن يَلِيه معَاقِدُ القِمْطِ، ثم رَجَعَ إلى النبىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فأخْبَرَه، فقال: "أَصَبْتَ، وأَحْسَنْتَ". رَوَاهُ ابنُ مَاجَه (١٢). ورُوِىَ نحوُه عن عَلِىٍّ. ولأنَّ العُرْفَ جَارٍ (١٣) بأن من بَنَى حَائِطًا جَعَلَ وَجْهَ الحائِطِ إليه. ولَنا، عُمُومُ قوله عليه السَّلَامُ: "البَيِّنَةُ عَلَى المُدَّعِى، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أنْكَرَ" (١٤). ولأنَّ وَجْهَ الحائِطِ ومعَاقِدَ القِمْطِ إذا كانا شَرِيكَيْنِ فيه لابُدَّ من أن يكونَ


(١٠) تقدم تخريجه فى صفحة ٣٥.
(١١) فى النسخ: "تمر بن حارثة" تصحيف وتحريف. وانظر ترجمته فى: تهذيب التهذيب ١٠/ ٤٧٥.
(١٢) فى: باب الرجلان يدعيان فى خص، من كتاب الأحكام. سنن ابن ماجه ٢/ ٧٨٥.
كما أخرجه الدارقطنى، فى: باب فى المرأة تقتل إذا ارتدت. سنن الدارقطنى ٤/ ٢٢٩.
(١٣) فى النسخ: "جاريا" خطأ.
(١٤) أخرجه البخارى، فى: باب إذا اختلف الراهن والمرتهن. . .، من كتاب الرهن. صحيح البخارى ٣/ ١٨٧. ومسلم، فى: باب اليمين على المدعى عليه، من كتاب الأقضية. صحيح مسلم ٣/ ١٣٣٦. والترمذى، فى: باب ما جاء فى أن البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه، من أبواب الأحكام. عارضة الأحوذى ٦/ ٨٧، ٨٨. وابن ماجه، فى: باب اليمين على المدعى واليمين على المدعى عليه، من كتاب الأحكام. سنن ابن ماجه ٢/ ٧٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>