للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣٨١ - مسألة؛ قال: (وَإِنْ حُمِلَ وَبِهِ رَمَقٌ غُسِّلَ، وصُلِّىَ عَلَيْهِ)

مَعْنَى قولِهِ "رَمَقٌ" أي حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ. فهذا يُغَسَّلُ، ويُصَلَّى عليه، وإن كان شَهِيدًا؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- غَسَّلَ سَعْدَ بنَ مُعَاذٍ، وصَلَّى عليه، وكان شَهِيدًا، رَمَاهُ ابنُ الْعَرِقَةِ يَوْمَ الخَنْدَقِ بِسَهْمٍ، فقَطَعَ أَكْحَلَهُ (١)، فَحُمِلَ إلى المَسْجِد، فلَبِثَ فيه أيَّامًا، حتى حَكَمَ في بَنِى قُرَيْظَةَ، ثم انْفَتَحَ جُرْحُهُ فمَاتَ (٢). وظَاهِرُ كلامِ الْخِرَقِىِّ أنَّه متى طالَتْ حَياتُه بعدَ حَمْلِه غُسِّلَ، وصُلِّىَ عليه، وإن ماتَ في المُعْتَرَكِ، أو عَقِبَ حَمْلِه، لم يُغَسَّلْ، ولم يُصَلَّ عليه. ونحوُ هذا قولُ مالكٍ، قال: إن أكَلَ، أو شَرِبَ، أو بَقِىَ يَوْمَيْنِ أو ثَلَاثَةً، غُسِّلَ. وقال أحمدُ في مَوْضِعٍ: إن تَكَلَّمَ، أو أكَلَ، أو شَرِبَ، صُلِّىَ عليه. وقولُ أصحابِ أبي حنيفةَ نحوٌ مِن هذا. وعن أحمدَ أنَّه سُئِلَ عن المَجْرُوحِ إذا بَقِىَ في المُعْتَرَكِ (٣) يَوْمًا إلى اللَّيْلِ، ثم ماتَ، فرَأَى أن يُصَلَّى عليه. وقال أصْحابُ الشَّافِعِيِّ: إن ماتَ حالَ الحَرْبِ، لم يُغَسَّلْ، ولم يُصَلَّ عليه، وإلَّا فلَا. والصَّحِيحُ: التَّحْدِيدُ بِطُولِ الفَصْلِ، أو الأكْلِ؛ لأنَّ الأكْلَ لا يكونُ إلَّا من ذِى حَياةٍ مُسْتَقِرَّةٍ، وطُولُ الفَصْلِ يَدُلُّ على ذلك، وقد ثَبَتَ اعْتبارُهما (٤) في كَثِيرٍ من المَوَاضِع. وأمَّا الكلامُ والشُّرْبُ، وحالَةُ الحَرْبِ، فلا يَصِحُّ التَّحْدِيدُ بِشىءٍ منها؛ لأنَّه يُرْوَى أنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال يَوْمَ أُحُدٍ: "مَنْ يَنْظُرُ


(١) الأكحل: عرق معروف، إذا قطع في اليد لم يرقأ الدم.
(٢) أخرجه البخاري، في: باب الخيمة في المسجد للمرضى وغيرهم، من كتاب الصلاة، وفى: باب مرجع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من الأحزاب ومخرجه إلى بنى قريظة ومحاصرته إياهم، من كتاب المغازى. صحيح البخاري ١/ ١٢٥، ٥/ ١٤٣، ١٤٤. ومسلم، في: باب جواز قتال من نقض العهد. . . إلخ، من كتاب الجهاد. صحيح مسلم ٣/ ١٣٨٩، ١٣٩٠. وأبو داود مختصرا، في: باب في العيادة مرارا، من كتاب الجنائز. سنن أبي داود ٢/ ١٦٥. والنسائي مختصرا، في: باب ضرب الخباء في المساجد، من كتاب الجنائز. المجتبى ٢/ ٣٥. والإِمام أحمد، في: المسند ٦/ ١٤١، ٥٦ مختصرًا.
(٣) في الأصل: "المعركة".
(٤) في الأصل، م: "اعتباره".

<<  <  ج: ص:  >  >>