للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كتاب الوَدِيعَة

والأصْلُ فيها الكتابُ والسُّنَّةُ والإِجْماعُ؛ أمَّا الكتابُ فقولُ اللَّه تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} (١). وقوله تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِى اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} (٢). وأمَّا السُّنَّةُ فقولُ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، ولَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ" (٣). ورُوِىَ عنه عليه السلام، أنَّه كانتْ عندَه وَدائعُ، فلمَّا أراد الهِجْرةَ أوْدَعها عندَ أُمِّ أَيْمَنَ، وأَمَرَ عَلِيًّا أن يَرُدَّها على أهْلِها (٤). وأمَّا الإِجْماعُ، فأجْمَعَ علماءُ كلِّ عصرٍ على جَوازِ الإيداعِ والاسْتِيداعِ، والعِبْرَةُ تَقْتَصيها، فإنَّ بالناس إليها حاجةً، فإنَّه يَتَعذَّرُ على جَمِيعِهم حِفْظُ أَمْوالِهِم بأنْفُسِهم، ويحْتاجون إلى من يَحْفَظُه (٥) لهم. والوديعةُ فَعِيلةٌ، من وَدَعَ الشىءَ: إذا تَرَكه، أى هى مَتْرُوكةٌ عند المُودَعِ. واشتقاقُها من السُّكونِ. يُقالُ (٦): وَدَعَ، يَدَعُ. فكأنَّها ساكنةٌ عند المُودَعِ مُسْتَقِرَّةٌ. وقيل: هى مُشْتَقَّةٌ من الخَفْضِ والدَّعَةِ، فكأنها فى دَعَةٍ عند المُودَعِ. وقبُولُها مُسْتَحَبٌّ لمن يَعْلَمُ من نفسِه الأمانةَ؛ لأنَّ فيه قَضاءَ حاجةِ أخِيه المُؤْمِن ومُعَاوَنَتَه. وهى عَقْدٌ جائزٌ من الطَّرَفَيْنِ، متى أراد المُودِعُ أخْذَ وَدِيعَتِه لَزِمَ المُسْتَودَعَ رَدُّها؛ لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}. فإن أراد


(١) سورة النساء ٥٨.
(٢) سورة البقرة ٢٨٣.
(٣) أخرجه أبو داود، فى: باب فى الرجل يأخذ حقه من تحت يده، من كتاب البيوع. سنن أبى داود ٢/ ٢٦٠. والترمذى، فى: باب حدثنا. . .، من كتاب البيوع. عارضة الأحوذى ٥/ ٢٦٨. والدارمى، فى: باب فى أداء الأمانة. . .، من كتاب البيوع. سنن الدارمى ٢/ ٢٦٤. والإِمام أحمد، فى: المسند ٣/ ٤١٤.
(٤) أخرجه البيهقى، فى: باب ما جاء فى الترغيب فى أداء الأمانات، من كتاب الوديعة. السنن الكبرى ٦/ ٢٨٩.
(٥) أى المال. وفى م: "يحفظ".
(٦) فى أ، م: "يقول".

<<  <  ج: ص:  >  >>