للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَبِّ المالِ. لا نَعْلَمُ في هذا بين أهْلِ العِلْمِ خِلَافًا. وإنَّما لم يَمْلِكْ ذلك لأُمُورِ ثلاثةٍ؛ أحدها، أنَّ الرِّبْحَ وِقَايَةٌ لِرَأْسِ (١) المالِ، فلا يَأْمَنُ الخُسْرانَ الذي يكونُ هذا الرِّبْحُ جَابِرًا له، فيَخْرُجُ بذلك عن أن يكونَ رِبْحًا. الثاني، أنَّ رَبَّ المالَ شَرِيكُه، فلم يكُنْ له مُقَاسَمَةُ نَفْسِه. الثالث، أنَّ مِلْكَهُ عليه غيرُ مُسْتَقِرٍّ؛ لأنَّه بعَرَضِ أن يَخْرُجَ في يَدِه بجُبْرانِ خَسَارَةِ المالِ. وإن أَذِنَ رَبُّ المالِ في أخْذِ شيءٍ, جازَ؛ لأنَّ الحَقَّ لهما، لا يَخْرُجُ عنهما.

فصل: وإن طَلَبَ أحَدُهما قِسْمَةَ الرِّبْحِ دونَ رَأْسِ المالِ، وأبَى الآخَرُ، قُدِّمَ قولُ المُمْتَنِعِ؛ لأنَّه إن كان رَبَّ المالِ، فلأنَّه لا يَأْمَنُ الخُسْرانَ في رَأْسِ المالِ، فيَجْبُرُهُ بالرِّبْحِ، وإن كان العامِلَ فإنَّه لا يَأْمَنُ أن يَلْزَمَه رَدُّ ما أخَذَ في وَقْتٍ لا يَقْدِرُ عليه وإن تَرَاضَيَا على ذلك، جازَ؛ لأنَّ الحَقَّ لهما، وسواءٌ اتَّفَقَا على قِسْمَةِ جَمِيعِه أو بعضِه، أو على أن يَأْخُذَ كلُّ واحدٍ منهما شيئا مَعْلُومًا يُنْفِقُه. ثم متى ظَهَرَ في المالِ خُسْرانٌ، أو تَلِفَ كلُّه، لَزِمَ العامِلَ رَدُّ أقَلِّ الأَمْرَيْنِ ممَّا أخَذَهُ، أو نِصْفِ خُسْرانِ المالِ، إذا اقْتَسَمَا الرِّبْحَ نِصْفَيْنِ. وبهذا قال الثَّوْرِىُّ، والشّافِعِىُّ، وإسحاقُ. وقال أبو حنيفةَ: لا تجوزُ القِسْمةُ حتى يَسْتَوْفِىَ رَبُّ المالِ مالَهُ. قال ابنُ المُنْذِرِ: إذا اقْتَسَما الرِّبْحَ، ولم يَقْبِضْ رَبُّ المالِ رَأْسَ مَالِه، فأكْثَرُ أهْلِ العِلْمِ يقولون: يَرُدُّ العامِلُ الرِّبْحَ حتى يَسْتَوْفِىَ رَبُّ المالِ مَالَهُ. ولَنا، على جَوَازِ القِسْمَةِ، أنَّ المالَ لهما، فجازَ لهما أن يَقْتَسِمَا بعضَه، كالشَّرِيكَيْنِ. أو نقول: إنَّهما شَرِيكانِ، فجازَ لهما قِسْمَةُ الرِّبْحِ قبلَ المُفَاصَلَةِ، كشَرِيكَىِ العِنَانِ.

فصل: والمُضَارَبةُ من العُقُودِ الجائِزَةِ، تَنْفَسِخُ بِفَسْخِ أحَدِهِما، أيِّهما كان، وبمَوْتِه، وجُنُونِه، والحَجْرِ عليه لِسَفَهٍ؛ لأنَّه مُتَصَرِّفٌ في مالِ غيرِه بإِذْنِه، فهو كالوَكِيلِ. ولا فَرْقَ بين ما قبلَ التَّصَرُّفِ وبعدَه. فإذا انْفَسَخَتْ والمالُ ناضٌّ لا رِبْحَ فيه، أخَذَهُ رَبُّه، وإن كان فيه رِبْحٌ، قَسَما الرِّبْحَ على ما شَرَطَاهُ. وإن انْفَسَخَتْ والمالُ


(١) في الأصل: "رأس".

<<  <  ج: ص:  >  >>