للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذى ذكَره القاضى. وهو مذهبُ الشَّافِعىِّ؛ لأَنَّه صَرَّحَ (١١) بذلك، فحُمِلَ عبيه، كما لو وَصَّى بإعْتاقِه، وكما لو وَصَّى بِبَيْعِ سِلْعةٍ ويُتَصَدَّقُ بثَمَنِها، ويُفارِقُ التَصَرُّفَ بعدَ البَيْعِ؛ فإِنَّ اللَّه تعالى جَعَلَ للإِنْسانِ التَّصَرُّفَ بعدَ مَوْتِه فى ثُلثِه، بخِلافِ ما بعدَ البَيْعِ. والأَوَّلُ أصَحُّ، إن شاءَ اللَّهُ تعالى. ويُفارِقُ الوَصِيَّةَ (١٢) بالعِتْقِ وبَيعَ السِّلْعةِ؛ لأنَّ المِلْكَ لا يَسْتَقِرُّ للوَرَثةِ فيه، ولا يَمْلِكُونَ التَّصَرُّفَ فيه، بخِلافِ مسألَتِنا. وقولُهم: جَعَلَ (١٣) له التَّصَرُّفَ فى ثُلثِه. قُلْنا: إنَّما يتَصَرَّفُ فيه تَصَرُّفًا يَثْبُتُ عَقِيبَ مَوْتِه، ويَمْنَعُ انْتِقالَه إلى الوارثِ، وإن ثَبَتَ للوارثِ، فهو ثُبوتٌ غيرُ مُسْتَقِرٍّ، وقد قيل: يكونُ مُرَاعًى، فإذا قَبِلَ المُوصَى له، تَبَيَّنَّا أَنَّ المِلْكَ كان له مِن حينِ الموتِ، وإن لم يَقْبَلْ، تَبَيَّنَّا أنَّه كان للوارثِ. فعلى قَوْلِنا: لا يَعْتِقُ بالدُّخُولِ بعدَ الموتِ. للوارِثِ التَّصَرُّفُ فيه كيف شاءَ، ومَنْ صَحَّحَ هذا الشَّرْطَ، احْتَمَلَ أن يَمْنَعَ الوارثَ مِن التَّصَرُّفِ فى رَقَبَتِه؛ لأَنَّه يَسْتَحِقُّ العِتْقَ، فأشْبَهَ المُوصَى بِعِتْقِه. واحْتَمَلَ أن لا يَمْنَعَه؛ لأَنَّه عَلَّقَ عِتْقَه على صِفَةٍ غيرِ الموتِ، فلم يَمْنَعْ من التَّصَرُّفِ فيه، كما لو قال لعَبدِه: إِنْ دخلْتَ الدَّارَ، فأنتَ حرٌّ. فأمَّا كَسْبُه قبلَ عِتْقِه، فهوِ للوارثِ؛ لأنَّ المِلْكَ فيه مُسْتَقِرٌّ قبلَ وُجُودِ الشَّرْطِ، كما لو كان الوارِثُ هو الذى عَلَّقَ عِتْقَه.

فصل: فإِن قال: أنتَ حُرٌّ بعدَ مَوْتِى بشَهْرٍ، أو قال: بيَوْمٍ. فقال أحمدُ، فى رِوَايةِ مُهَنَّا: لا يَعْتِقُ، ولا تَصِحُّ هذه الصِّفَةُ. وقال أيضًا: سألتُ أحمدَ، عن رجلٍ قال لعبدِه: أنتَ حُرٌّ بعدَ مَوْتِى بشهرٍ، بأَلْفِ دِرْهمٍ. فقال: هذا كلُّه لا يكونُ شيئًا بعدَ مَوْتِه. وهذا اخْتِيارُ أبى بكرٍ. وذكر القاضِيانِ ابنُ أبى موسى وأبو يَعْلَى فيها روايةً أُخْرَى، أنَّه يَعْتِقُ إذا وُجِدَتِ الصِّفَتانِ؛ الموتُ، ومُضِى المُدَّةِ المذكورة. وبهذا قال الثَّوْرِىُّ، وأبو يوسفَ، وإسْحاقُ. ووَجْهُ الرِّوايتَيْنِ ما تقَدَّمَ. وقال أصْحابُ الرَّأْىِ: لا يَعْتِقُ حتَّى يَعْتِقَه الوارثُ. وعلى قولِ مَنْ قال: يَعْتِقُ. يكونُ قبلَ الموتِ مِلْكًا للوارثِ، وكَسْبُه له، كأُمِّ الوَلدِ، والمُدَبَّرِ فى حَياةِ السَّيِّدِ. وإن كان أمةً، فولَدَتْ قبلَ وُجُودِ الصِّفَةِ، فولَدُها


(١١) فى الأصل: "صريح".
(١٢) سقط من: أ.
(١٣) فى م: "حصل".

<<  <  ج: ص:  >  >>