للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأَبُو رَافِعٍ صَاحِبُ القِصَّةِ (٨)، وهو السَّفِيرُ فيها، فهما أَعْلَمُ بذلك من ابنِ عَبَّاسٍ، وأوْلَى بِالتَّقْدِيمِ لو كان ابنُ عَبَّاسٍ كَبِيرًا، فكيف وقد كان صَغِيرًا لا يَعْرِفُ حَقَائِقَ الأُمُورِ، ولا يَقِفُ عليها، وقد أُنْكِرَ عليه هذا القَوْلُ. وقال سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ: وَهِمَ ابنُ عَبّاسٍ، وما تَزَوَّجَهَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلَّا حَلَالًا. فكيف يُعْمَلُ بِحَدِيثٍ هذا حَالُه؟ ويُمْكِنُ حَمْلُ قَوْلِه: "وهو مُحْرِمٌ". أى فى الشَّهْرِ الحَرَامِ، أو فى البَلَدِ الحَرَامِ، كما قِيلَ:

* قَتَلُوا ابنَ عَفَّان الخَلِيفَةَ مُحْرِمًا (٩) *

وقيل: تَزَوَّجَها حَلَالًا، [وظَهر أمْرُ تَزْوِيجِها] (١٠) وهو مُحْرِمٌ. ثمَّ لو صَحَّ الحَدِيثانِ، كان تَقْدِيمُ حَدِيثِنا أوْلَى؛ لأنَّه قولُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وذلك فِعْلُه، والقَوْلُ آكَدُ؛ لأنَّه يَحْتَمِلُ أن يكونَ مُخْتَصًّا بما فَعَلَهُ. وعَقْدُ النِّكَاحِ يُخَالِفُ شِراءَ الأَمَةِ، فإنَّه يَحْرُمُ بالعِدَّةِ والرِّدَّةِ واخْتِلَافِ الدِّينِ، وكَوْنِ المَنْكُوحَةِ أُخْتًا له من الرَّضَاعِ، ويُعْتَبَرُ له شُرُوطٌ غيرُ مُعْتَبَرَةٍ فى الشِّرَاءِ.

فصل: ومَتَى تَزَوَّجَ المُحْرِمُ، أو زَوَّجَ، أو زُوِّجَتْ مُحْرِمَةٌ، فالنِّكَاحُ بَاطِلٌ، سواءٌ كان الكُلُّ مُحْرِمِينَ أو بعضُهم؛ لأنَّه مَنْهِيٌّ عنه، فلم يَصِحَّ، كنِكاحِ المَرْأَةِ على عَمَّتِها أو خَالَتِها. وعن أحمدَ: إن زَوَّجَ المُحْرِمُ لم أَفْسَخِ النِّكَاحَ. قال بعضُ أصْحَابِنَا: هذا يَدُلُّ على أنَّه إذا كان الوَلِىُّ بِمُفْرَدِه أو الوَكِيلُ مُحْرِمًا، لم يَفْسُدِ النِّكَاحُ. والمذهبُ الأوَّلُ. وكلامُ أحمدَ يُحْمَلُ على أنَّه لا يَفْسَخُه لِكَوْنِه مُخْتَلَفًا فيه. قال القاضى: ويُفَرِّقُ بينهما بِطَلْقَةٍ. وهكذا كلُّ نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فيه.


(٨) فى الأصل: "القضية".
(٩) صدر بيت للراعى النميرى، عجزه:
* ودعا فلم أر مثله مخذولا *
شعر الراعى النميرى وأخباره ١٤٤.
(١٠) فى أ، ب، م: "وأظهر أمر تزويجها".

<<  <  ج: ص:  >  >>