للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإِجْماعِ. وَوَجْهُ القولِ الأوَّلِ، أنَّ التَّحْريمَ بينهما فَرْعٌ لحُرْمةِ الأُبُوَّةِ، فلمَّا لم (٣١) تَثْبُتْ حُرْمةُ الأُبُوَّةِ، لم يَثْبُتْ ما هو فَرْعٌ لها. ويفارِقُ تَحْريمَ ابْنَتِه من الزِّنَى؛ لأنَّها من نُطفَتِه حقيقةً، بخلافِ مَسْأَلَتِنا. ويفارقُ تَحْريمَ المُصاهَرةِ؛ فإنَّ التَّحْريمَ ثَمَّ لا يَقِفُ على ثُبُوتِ النَّسَبِ، ولهذا تَحْرُمُ أُمُّ زَوْجَتِه وابْنَتُها من غير نَسَبٍ، وتَحْرِيمُ الرَّضاعِ مَبْنيٌّ على النَّسَبِ، ولهذا قال عليه السلام: "يَحْرُمُ من الرَّضَاعِ ما يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ" (٣٢). فأمَّا المُرْضِعةُ، فإنَّ الطِّفْلَ المُرْتَضِعَ مُحَرَّمٌ عليها، ومَنْسُوبٌ إليها عندَ الجميعِ. وكذلك يَحْرُمُ جميعُ أوْلادِها، وأقارِبها الذين يَحْرُمُون على أولادِها، على هذا المُرْتَضِع، كما في الرَّضَاعِ باللَّبَنِ (٣٣) المُباحِ. وإن كان المُرْتَضِعُ جارِيةً، حَرُمَتْ على المُلاعِنِ، بغير خِلافٍ أيضًا؛ لأنَّها رَبِيبَتُه، فإنَّها بِنْتُ امْرَأتِه من الرَّضاعِ، وتَحْرُمُ على الزَّانِى، عندَ مَنْ يَرَى تَحْريمَ المُصَاهَرةِ، وكذلك يَحْرُمُ بناتُها وبناتُ المُرْتَضِعِ من الغِلْمانِ لذلك.

فصل: وإذا وَطِئَ رَجُلانِ امرأةً، فأتَتْ بوَلَدٍ، فأَرْضَعَتْ بلَبَنِه طِفْلًا، صار ابْنًا لمن ثَبَتَ نَسَبُ (٣٤) المَوْلُودِ منه، سَواءٌ ثَبَتَ نَسَبُه منه بالْقافةِ أو بغيرِها. وإن ألْحَقَتْه القافةُ بهما، صار المُرْتَضِعُ ابْنًا لهما، فالمُرْتَضِعُ في كلِّ موضعٍ تَبَعٌ للمُناسِبِ، فمتى لَحِقَ المُناسِبُ بشَخْصٍ، فالمُرْتَضِعُ مثلُه، وإن انْتَفَى المُناسِبُ عن أحَدِهما، فالمُرْتضِعُ مثلُه، لأنَّه بلَبَنِه ارْتَضَعَ، وحُرْمَتُه فَرْعٌ على حُرْمَتِه. وإن لم يَثْبُتْ نَسَبُه منهما؛ لتَعَذُّرِ الْقافةِ، [أو لِاشْتِباهِه] (٣٥) عليهم، ونحوِ ذلك، حَرُمَ عليهما، تَغْلِيبًا للحَظْرِ؛ لأنَّه يَحْتَمِلُ أن يكونَ منهما، ويَحْتَمِلُ أن يكَونَ ابنَ (٣٦) أحدِهما، فيحْرُمُ عليه أقارِبُه دُونَ أقارِبِ الآخَرِ، وقد اختَلَطَتْ أُخْتُه بغيرِها، فحَرُمَ الجَمِيعُ، كما لو عَلِمَ أخْتَه بعَيْنِها، ثم


(٣١) سقط من: م.
(٣٢) تقدم تخريجه في: ٩/ ٥١٣، ٥١٩، ٥٢٠.
(٣٣) في أ: "في اللبن".
(٣٤) في الأصل: "لبن".
(٣٥) في الأصل: "واشتباهه".
(٣٦) سقط من: ب، م.

<<  <  ج: ص:  >  >>