للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُولَى منْها بالقُرْعَةِ، كالطَّلاقِ إذا أوْقَعَه فى مُبْهَمةٍ مِنْ نِسائِه. وإِنْ أطْلَقَ (٥٧)، صارَ مُولِيًا منهنَّ كُلِّهِنَّ فى الحالِ؛ لأنَّه لا يُمْكِنُه وَطْءُ واحِدَةٍ منهنَّ إِلَّا بالحِنْثِ، فإنْ طَلَّقَ واحِدَةً منهنَّ، أو ماتَتْ، كان مُولِيًا مِن البَواقِى. وإِنْ وَطِئَ واحِدَةً منهنَّ، حَنِثَ وانْحَلَّتْ يَمِينُه. وسَقَطَ حُكْمُ الإِيلاءِ فى الباقِياتِ؛ لأنَّها يَمِينٌ واحِدَةٌ، فإِذا حَنِثَ فيها مَرَّةً، لم يَحْنَثْ مَرَّةً ثانِيَةً. ولا يَبْقَى حُكْمُ اليَمِينِ بعدَ حِنْثِه فيها، بخِلافِ ما إذا طَلَّقَ واحِدَةً أَو ماتَتْ، فإِنَّه لم يَحْنَثْ ثَمَّ، فبَقِىَ حُكْمُ يَمِينِه فى مَن بَقِىَ منهنَّ. وهذا مذهبُ الشَّافِعِىِّ. وذَكَرَ القاضى، أنَّه إذا أطْلَقَ، كان الإِيلاءُ فى واحِدَةٍ غيرِ مُعَيَّنَةٍ. وهو اخْتِيارُ بعضِ أصْحابِ الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّ لَفْظَه تَناوَلَ واحِدَةً مُنَكَّرَةً، فلا يَقْتَضِى العُمُومَ. ولَنا، أَنَّ النَّكِرَةَ فى سِياقِ النَّفْىِ تَعُمُّ، كقَوْلِه: {مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً} (٥٨). وقولِه: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (٥٩). وقولِه: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} (٦٠). ولو قال إنْسانٌ: واللَّهِ لا شَرِبْتُ مَاءً مِنْ إداوَةٍ. حَنِثَ بِالشُّرْبِ مِن أىِّ إِداوَةٍ كانتْ، فيَجِبُ حَمْلُ اللَّفْظِ عندَ الإِطْلاقِ عَلَى مُقْتَضاه فى العُمُومِ. وإِنْ قال: نَوَيْتُ واحِدَةً مُعَيَّنَةً، أو واحِدَةً مُبْهَمَةً. قُبِلَ مِنْه؛ لأنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ احْتَمالًا غيرَ بَعِيدٍ. وهذا مذهبُ الشَّافِعِىِّ، إِلَّا أنَّه إذا أَبْهَمَ المَحْلُوفَ عليها، فله أَنْ يُعَيِّنَها بقَوْلِه. وأصْلُ هذا مَذْكُورٌ فى الطَّلاقِ.

فصل: فإنْ قال: واللَّهِ لا وَطِئْتُ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْكُنَّ. صارَ مُولِيًا منهنَّ كُلِّهِنَّ فى الحالِ، ولا يُقبَلُ قَوْلُه: نَوَيْتُ واحِدَةً منهنَّ مُعَيَّنَةً، ولا مُبْهَمَةً؛ لأنَّ لَفْظَةَ كُلِّ أزالَتِ احْتِمالَ الخُصوصِ، ومتى حَنِثَ فى البَعْضِ، انْحَلَّ الإِيلاءُ فى الجَمِيعِ، كالتى قَبْلَها.


(٥٧) فى الأصل: "طلق".
(٥٨) سورة الجن ٣. وفى النسخ: "ولم يتخذ صاحبة".
(٥٩) سورة الإخلاص ٤.
(٦٠) سورة النور ٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>