للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحدٍ منهما بَيِّنَةٌ، وجَبَتْ دِيَةُ الذَّكَرِ؛ لأنَّ الْبَيِّنَةَ قد قامتْ باسْتِهْلالِه، والبَيِّنَةُ المُعارِضةُ لها نافيةٌ له، والإِثْباتُ مُقَدَّمٌ على النَّفْىِ. فإن قيلَ: فيَنْبَغِى أن تَجِبَ دِيَةُ الذَّكَرِ والأُنْثَى. قُلْنا: لا تَجِبُ دِيَةُ الأُنْثَى؛ لأنَّ المُسْتَحِقَّ لها لم يَدَّعِها، وهو مُكَذِّبٌ للبَيِّنَةِ الشَّاهدةِ بها. وإن ادَّعَى الاسْتِهْلالَ منهما، ثَبَتَ ذلك بالبَيِّنَتَيْنِ. وإن لم تَكُنْ بَيِّنَةٌ، فاعْتَرفَ الجانِى باسْتِهْلالِ الذَّكَرِ، فأنْكَرَتِ العاقلةُ، فالقولُ قولُهم مع أَيْمانِهِم، فإذا حَلَفُوا، كانت عليهم دِيَةُ الأُنْثَى وغُرَّةٌ، إن كانت تَحْمِلُ الغُرَّةَ، وعلى الضَّارِبِ تَمامُ دِيَةِ الذكرِ، وهو نِصْفُ الدِّيَةِ، لا تَحْمِلُه العاقلةُ؛ لأنَّه ثَبَتَ باعْتِرافِه. وإن اتّفَقُوا على أنَّ أحَدَهُما اسْتَهَلَّ، ولم يُعْرَفْ بعَيْنِه، لَزِمَ العاقلةَ دِيَةُ أُنْثَى؛ لأنَّها مُتَيَقَّنَةٌ، وتَمامُ دِيَةِ الذَّكَرِ مَشْكُوكٌ فيه، والأصْلُ بَراءةُ الذِّمَّةِ منه، فلم يَجِبْ بالشَّكِّ، ويَجِبُ الغُرَّةُ في الذي لم يَسْتَهِلَّ.

فصل: إذا ضَرَبَها، فألْقَتْ يَدًا، ثم ألْقَتْ جَنِينًا، فإن كان إلْقاؤُهما مُتَقارِبًا، أو بَقِيَتِ المرأةُ مُتألِّمةً إلى أن ألْقَتْه، دَخَلَتِ اليَدُ في ضَمانِ الْجَنِينِ؛ لأنَّ الظَّاهِرَ أنَّ الضَّرْبَ قَطَعَ يَدَه، وسَرَى إلى نَفْسِه، فأشْبَهَ ما لو قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ وسَرَى القَطْعُ إلى نَفْسِه، ثم إن كان الجَنِينُ سَقَطَ مَيِّتًا، أو حيًّا لوَقْتٍ (١٨) لا يَعِيشُ لمِثْلِه، ففيه غُرَّةٌ، وإن ألْقَتْه حَيًّا لوَقتٍ يَعِيشُ لمِثْلِه، ففيه دِيَةٌ كاملةٌ، وإن بَقِىَ حَيًّا فلم يَمُتْ، فعلى الضارِبِ ضَمانُ اليَدِ بدِيَتِها، بمنزلةِ من قَطَعَ يَدَ رجلٍ فانْدَمَلَتْ. وقال القاضِى، وبعضُ أصْحابِ الشافعىِّ: يُسْأَلُ القَوابلُ، فإن قُلْنَ: إنها يَدُ مَنْ لم تُخْلَقْ فيه الحياةُ. ففيها نِصْفُ الغُرَّةِ، وإن قُلْنَ: يَدُ مَنْ خُلِقَتْ فيه (١٩) الحياةُ. ففيها نِصْفُ الدِّيَةِ. ولَنا، أنَّ الْجَنِينَ إنَّما يُتَصَوَّرُ بَقاءُ الحياةِ فيه إذا كان حَيًّا قبلَ وِلادَتِه بمُدَّةٍ طويلةٍ، أقلُّها شَهْرَانِ، على ما دَلَّ عليه حديثُ الصَّادِقِ المَصْدُوقِ، في أنَّه تُنْفَخُ فيه الرُّوحُ بعدَ أرْبَعةِ أشْهُرٍ (٢٠)، وأقَلُّ ما يَبْقَى بعدَ ذلك شَهْرَان؛ لأنَّه لا يَحْيَى إذا وضَعَتْه لأقَلَّ من سِتَّةِ أشْهُرٍ، والكلامُ مَفْرُوضٌ فيما


(١٨) سقط من: م.
(١٩) في الأصل، ب: "فيها".
(٢٠) تقدم تخريجه في: ١٠/ ٢٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>