للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُتَفَاضِلًا، فَحُرِّمَ، كَبَيْعِ مَكِيلَةٍ بمَكِيلَتَيْنِ؛ وذلك لأنَّ الطَّحْنَ قد فَرَّقَ أجْزاءَها. فَيَحْصُلُ فى مِكْيالِها دون ما يَحْصُلُ فى مِكْيالِ الحِنْطَةِ، وإن لم يَتَحَقَّقِ التَّفاضُلُ، فقد جُهِلَ التَّماثُلُ، والجَهْلُ بالتَّماثُلِ كالعِلْمِ بالتَّفاضُلِ فيما يُشترطُ التَّماثُلُ فيه، ولذلك لم يَجُزْ بَيْعُ بَعْضِها بِبَعْضٍ جُزافًا، وتَسَاوِيهِما فى الوَزْنِ لا يَلْزَمُ منه التَّساوِى فى الكَيْلِ، والحِنْطَةُ والدَّقِيقُ مَكِيلَانِ؛ لأنَّ الأَصْلَ الكَيْلُ، ولم يُوجَدْ ما ينقل عنه، ولأنَّ الدَّقيقَ يُشْبِهُ المَكِيلاتِ، فكان مَكيلًا، كالحِنْطَةِ، ثم لو كان مَوْزونًا، لم يَتَحَقَّقِ التَّساوِى بين المَكيلِ والمَوْزونِ؛ لأنَّ المَكيلَ لا يُقَدَّرُ بالوَزْنِ، كما لا يُقَدَّرُ المَوْزونُ بالكَيْلِ.

فصل: فأمَّا بَيْعُ بَعْضِ فُروعِها بِبعضٍ، فيَجوزُ بَيْعُ كلِّ واحِدٍ من الدَّقيقِ والسَّويقِ بِنَوْعِه مُتَساوِيًا، وبه قال أبو حنيفةَ. والمَشْهورُ عن الشَّافِعِىِّ المَنْعُ من ذلك؛ لأنَّه يَعْتَبِرُ تَساوِيَهما حالةَ الكَمالِ، وهو حالُ كَوْنِها حِنْطَةً، وقد فاتَ ذلك؛ لأنَّ أحَدَ الدَّقيقَيْنِ قد يكونُ من حِنْطَةٍ رَزينَةٍ، والآخَرَ من حِنْطَةٍ (١١) خَفيفَةٍ، فَيَسْتَويانِ دَقيقًا، ولا يَسْتَويانِ حِنْطَةً. ولنا، أنَّهما تَساويا حالَ العَقْدِ على وَجْهٍ لا يَنْفَرِدُ أحَدُهُما بالنُّقْصانِ، فجازَ، كَبَيْعِ التَّمْرِ بالتَّمْرِ. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّما يُباعُ بعضُه بِبعضٍ كَيْلًا؛ لأنَّ الحِنْطَةَ مَكيلَةٌ، ولم يُوجَدْ فى الدَّقيقِ والسَّويقِ ما يَنْقُلُهُما عن ذلك. ويُشْتَرَطُ أن يَتَساوَيا فى النُّعُومَةِ. ذَكَرَهُ أبو بكْرٍ، وغيرُه من أصحابِنا. وهو مذهبُ أبى حنيفةَ؛ لأنَّهما إذا تَفاوتا فى النُّعُومَةِ تفاوَتا فى ثانى الحالِ، فيَصيرُ كَبَيْعِ الحِنْطَةِ بالدَّقيقِ. وذَكَرَ القاضى أنَّ الدَّقيقَ يُباعُ بالدَّقيقِ وَزْنًا. ولا وَجْهَ له، وقد سَلَّمَ فى السَّويقِ أنَّه يُباعُ بالكَيْلِ، والدَّقيقُ مِثْلُه. فأمَّا بَيْعُ الدَّقيقِ بالسَّويقِ، فالصَّحيحُ أنَّه لا يَجوزُ. وهو مذهبُ الشَّافِعِىِّ. ورُوِىَ عن أحْمَدَ، أنَّه يَجوزُ؛ لأنَّ كلَّ واحِدٍ منهما أجْزاءُ حِنْطَةٍ ليس معه غيرُه، فأَشْبَهَ الدَّقيقَ بالدَّقيقِ، والسَّويقَ بالسَّويقِ. ولنا، أنَّ النَّارَ قد أخَذَتْ من أحَدِهِمَا، فلم يَجُزْ بَيْعُ بَعضِه بِبعضٍ، كالمَقْلِيَّةِ


(١١) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>