للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِتْقُه بآخِر رمضانَ، والحقُّ يَحِلُّ في أوَّلهِ، صَحَّ رَهْنُه؛ لإمْكانِ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ من ثَمَنِه. فإن كانت تَحْتَمِلُ الأَمْرَيْنِ، كقُدُومِ زَيْدٍ، فقِيَاسُ المَذْهَبِ صِحَّةُ رَهْنِه؛ لأنَّه في الحالِ مَحلٌّ لِلرَّهْنِ يُمْكِنُ أن يَيْقَى حتى يَسْتَوْفِىَ الدَّيْنَ مِن ثَمَنِه، فَصَحَّ رَهْنُه، كالمَرِيضِ والمُدَبَّرِ. وهذا مذهبُ أبي حنيفةَ رَضِىَ اللَّه عنه. ويَحْتَمِلُ أن لا يَصِحَّ رَهْنُه؛ لأنَّ فيه غَرَرًا، إذ يَحْتَمِلُ أن يَعْتِقَ قبلَ حُلُولِ الحَقِّ، ولأصْحابِ الشَّافِعِيِّ فيه اختِلَافٌ على نحوِ ما ذَكَرنَا.

فصل: ويجوزُ رَهْنُ الجارِيَةِ دُونَ وَلَدِها، وَرَهْنُ وَلَدِهَا دُونَها؛ لأنَّ الرَّهْنَ لا يُزِيلُ المِلْكَ، فلا يَحْصُلُ بذلك تَفْرِقَةٌ، ولأنَّه يُمْكِنُ تَسْلِيمُ الوَلَدِ مع أُمِّهِ، والأُمِّ مع وَلَدِهَا، فإن دَعَتِ الحاجَةُ إلى بَيْعِهَا في الدَّيْنِ، بِيعَ وَلَدُها معها؛ لأنَّ الجَمْعَ في العَقْدِ مُمْكِنٌ، والتَّفْرِيقَ بينهما حَرَامٌ، فوَجَبَ بَيْعُه معها. فإذا بِيعَا معًا، تَعَلَّقَ حَقُّ المُرْتَهِنِ من ذلك بِقَدْرِ قِيمَةِ الجَارِيَةِ من الثَّمَنِ، فإذا كانت قِيمَتُها مائةً، مع أنَّها ذَاتُ وَلَدٍ، وقِيمَةُ الوَلَدِ خَمْسُونَ، فَحِصَّتُها ثُلُثَا الثَّمَنِ. وإن لم يَعْلَم المُرْتَهِنُ بالوَلَدِ، ثم عَلِمَ، فله الخِيَارُ في الرَّدِّ والإمْسَاكِ؛ لأنَّ الوَلَدَ عَيْبٌ فيها، لِكَوْنِه لا يُمْكِنُ بَيْعُها بدونه، فإن أمْسَكَ، فهو كما لو عَلِمَ حالَ العَقْدِ، ولا شىءَ له غيرُها، وإن رَدَّهَا فله فَسْخُ البَيْعِ، إن كانت مَشْرُوطَةً فيه.

فصل: ويَصِحُّ رَهْنُ ما يُسْرِعُ إليه الفَسادُ، سواءٌ كان ممَّا يُمْكِنُ إصْلَاحُه بالتَّجْفِيفِ، كالعِنَبِ والرُّطَبِ، أو لا يُمْكِنُ، كالبِطِّيخِ والطَّبِيخِ. ثم إن كان ممَّا يُجَفَّفُ، فعلَى الرَّاهِنِ تَجْفِيفُه؛ لأنَّه مِن مُؤْنَةِ حِفْظِه وتَبْقِيَتِه، فلَزِمَ (٢٥) الرَّاهِنَ، كنَفَقَةِ الحَيَوانِ. وإن كان ممَّا لا يُجَفَّفُ، فإنَّه يُبَاعُ، ويَقْضِى الدَّيْنَ من ثَمَنِه، إن كان حَالًّا، أو يَحِلُّ قبلَ فَسَادِه، وإن كان لا يَحِلُّ قبل فَسَادِه، جَعَلَ ثَمَنَه مَكَانَه رَهْنًا، سواءٌ شَرَطَ في الرَّهْنِ بَيْعَه أو أطْلَقَ. وقال أصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: إن كان ممَّا يَفْسُدُ قبلَ مَحلِّ الدَّيْنِ، فشَرَطَ المُرْتَهِنُ على الرَّاهِنِ بَيْعَه وجَعْلَ ثَمَنِه مَكَانه، صَحَّ. وإن أطْلَقَ، فعلَى قَوْلَيْنِ: أحدِهما، لا يَصِحُّ؛ لأنَّ بَيْعَ الرَّهْنِ قبلَ حُلُولِ الحَقِّ لا يَقْتَضِيهِ


(٢٥) في م: "فيلزم".

<<  <  ج: ص:  >  >>