للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخَلَاصِ والاسْتِخْلَاصِ، فالذى يَقْتَضِيهِ حُسْنُ العِشْرَةِ، أن يَبِيعَه منه، لِيَصِل إلى غَرَضِه من بَيْعِ نَصِيبِه، وتَخْلِيصِ شَرِيكِه من الضَّرَرِ، فإذا لم يَفْعَلْ ذلك، وبَاعَهُ لأَجْنَبِيٍّ، سَلَّطَ الشَّرْعُ الشَّرِيكَ على صَرْفِ ذلك إلى نَفْسِه. ولا نَعْلَمُ أحَدًا خَالَفَ هذا إلَّا الأَصَمَّ، فإنَّه قال: لا تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ؛ لأنَّ في ذلك إِضْرَارًا بأَرْبَابِ الأَمْلَاكِ، فإنَّ المُشْتَرِىَ إذا عَلِمَ أنَّه يُؤْخَذُ منه إذا ابْتَاعَهُ، لم يَبْتَعْهُ، ويَتَقَاعَدُ الشَّرِيكُ عن الشِّرَاءِ، فيَسْتَضِرُّ المالِكُ. وهذا ليس بشيءٍ؛ لِمُخَالَفَتِه الآثَارَ الثابِتَةَ والإِجْمَاعَ المُنْعَقِدَ قبلَه. والجَوَابُ عمَّا ذَكَرَه من وَجْهَيْنِ؛ أحَدهما، أنَّا نُشَاهِدُ الشُّرَكَاءَ يَبِيعُون، ولا يُعْدَمُ مَنْ يَشْتَرِى منهم غيرَ شُرَكَائِهِم، ولم يَمْنَعْهُم اسْتِحْقَاقُ الشُّفْعَةِ من الشِّرَاءِ. الثاني، أنَّه يُمْكِنُه إذا لَحِقَتْه بذلك مَشَقَّةٌ أن يُقَاسِمَ، فَيَسْقُطَ اسْتِحْقَاقُ الشُّفْعَةِ، واشْتِقَاقُ الشُّفْعَةِ من الشَّفْعِ (٥)، وهو الزَّوْجُ، فإنَّ الشَّفِيعَ كان نَصِيبُه مُنْفَرِدًا في مِلْكِه، فبالشُّفْعَةِ يَضُمُّ المَبِيعَ إلى مِلْكِه فيَشْفَعُهُ به. وقِيلَ: اشْتِقَاقُها من الزِّيَادَةِ؛ لأنَّ الشَّفِيعَ يَزِيدُ المَبِيعَ في مِلْكِهِ.

٨٧١ - مسألة؛ قال أبو القاسم: (وَلَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ إلَّا لِلشَّرِيكِ الْمُقَاسِمِ، فَإذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ، وصُرِّفَتِ الطُّرُقُ، فَلَا شُفْعَةَ)

وجُمْلَةُ ذلك أنَّ الشُّفْعَةَ تَثْبُتُ على (١) خِلَافِ الأَصْلِ، إذ هي انْتِزَاعُ مِلْكِ المُشْتَرِى بغيرِ رِضَاءٍ منه، وإِجْبَارٌ له على المُعَاوَضَةِ، مع ما ذَكَرَهُ الأَصَمُّ، لكنْ أَثْبَتَها الشَّرْعُ لِمَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ، فلا تَثْبُتُ إلَّا بِشُرُوطٍ أَرْبَعَةٍ: أحدها، أن يكونَ المِلْكُ مُشَاعًا غيرَ مَقْسُومٍ، فأمَّا الجارُ فلا شُفْعَةَ له. وبه قال عمرُ، وعثمانُ، وعمرُ بن عبد العزيزِ، وسَعِيدُ بن المُسَيَّبِ، وسُلَيْمانُ بن يَسَارٍ، والزُّهْرِيُّ، ويحيى الأَنْصَارِيُّ، وأبو الزِّنَادِ، ورَبِيعَةُ، والمُغِيرَةُ بن عبد الرحمنِ، ومالِكٌ، والأَوْزَاعِيُّ، والشّافِعِيُّ، وإسحاقُ، وأبو


(٥) في ب: "المشفع".
(١) في ب: "في".

<<  <  ج: ص:  >  >>