للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: وكَلامُ الْخِرَقِىِّ يَحْتَمِلُ أن يُرِيدَ به بُيُوعَ الأعْيانِ المَرْئِيَّةِ، فلا يَكونُ فيه تَعَرُّضٌ لِبَيْعِ الغائِبِ، ويَحْتَمِلُ أنَّه أرادَ كُلَّ ما يُسَمَّى خِيارًا، فيَدْخُلُ فيه خِيارُ الرُّؤْيَةِ وغيرُه. وفى بَيْعِ الغائِبِ روايَتانِ؛ أظْهَرُهما، أنَّ الغائِبَ الذى لم يُوصَفْ، ولم تَتَقَدَّمْ رُؤْيَتُه لا يَصِحُّ بَيْعُه. وبهذا قال الشَّعْبِىُّ، والنَّخَعِىُّ، والحسنُ، والأوْزاعِىُّ، ومَالِكٌ، وإسْحاقُ. وهو أحَدُ قَوْلَىِ الشَّافِعِىِّ. وفيه (٥) رِوَايَةٌ أُخْرَى، أنَّه يَصِحُّ. وهو مَذْهَبُ أبى حنيفةَ، والقولُ الثَّانِى لِلشَّافِعِىِّ. وهل يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِى خِيارُ الرُّؤْيَةِ؟ على رِوايَتَيْنِ؛ أشْهَرُهما ثُبُوتُه. وهو قَوْلُ أبِى حنيفةَ. واحْتَجَّ مَن أجازَهُ بعُمُومِ قَوْلِ اللهِ تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (٦). وَرُوِىَ عن عثمانَ، وطَلْحَةَ، أنَّهما تَبايَعا دارَيْهِما بِالكُوفَةِ، والأُخْرَى بِالمَدِينَةِ، فَقِيلَ لِعُثمانَ: إنَّك قد غُبِنْتَ، فقال: ما أُبالِى؛ لأنِّى بِعْتُ ما لم أرَهُ. وقِيلَ لِطَلْحَةَ، فقال: لِىَ الخِيارُ؛ لأنَّنِى اشْتَرَيْتُ ما لم أرَهُ. فتَحاكَما إلى جُبَيْرٍ (٧)، فجَعَلَ الخِيارَ لِطَلْحَةَ (٨). وهذا اتِّفَاقٌ منهم على صِحَّةِ البَيْعِ، ولأنَّه عَقْدُ مُعاوَضَةٍ، فلم تَفْتَقِرْ صِحَّتُه إلى رُؤْيَةِ المَعْقُودِ عليه، كَالنِّكاحِ. ولَنا، ما رُوِىَ عن النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أنَّه نَهَى عن بَيْع الغَرَرِ. رَوَاهُ مُسْلمٌ (٩).


(٥) فى م: "وفى".
(٦) سورة البقرة الآية ٢٧٥.
(٧) هو جبير بن مطعم بن عدى القرشى النوفلى الصحابى، كان ممن يتحاكم إليه، وتوفى سنة ست وخمسين. تهذيب التهذيب ٢/ ٦٣.
(٨) أخرجه البيهقى، فى: باب من قال يجوز بيع العين الغائبة، من كتاب البيوع. السنن الكبرى ٥/ ٢٦٨.
(٩) فى: باب بطلان بيع الحصى والبيع الذى فيه غرر، من كتاب البيوع. صحيح مسلم ٣/ ١١٥٣.
كما أخرجه أبو داود، فى: باب فى بيع الغرر، وباب فى بيع المضطر، من كتاب البيوع. سنن أبى داود ٢/ ٢٢٨، ٢٢٩. والترمذى، فى: باب ما جاء فى كراهية بيع الغرر، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذى ٥/ ٢٣٧. والنسائى، فى: باب بيع الحصاة، من كتاب البيوع. المجتبى ٧/ ٢٣٠. وابن ماجه، فى: باب النهى عن بيع الحصاة، من كتاب التجارات. سنن ابى ماجه ٢/ ٧٣٩. والدارمى، فى: باب النهى عن بيع الغرر، وباب فى الحصاة، من كتاب البيوع. سنن الدارمى ٢/ ٢٥١، ٢٥٣، ٢٥٤. والإمام مالك، فى: باب بيع الغرر، من كتاب البيوع. الموطأ ٢/ ٦٦٤. والإمام أحمد، فى: المسند ١/ ١١٦، ٣٠٢، ٢/ ١٥٥، ٢٥٠، ٣٧٦، ٤٣٦، ٤٣٩، ٤٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>