للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: فأمَّا الشِّطْرَنْجُ فهو كالنَّرْدِ فى التَّحْريمِ، إِلَّا أَنَّ النَّرْدَ آكَدُ منه فى التَّحْريمِ؛ لوُرودِ النَّصِّ فى تَحْريمِه، لكنْ هذا فى مَعناه، فيَثْبُتُ فيه حُكْمُه، قياسًا عليه. وذكرَ القاضى أبو الحُسينِ ممَّن ذهبَ إلى تَحْريمِه؛ علىَّ بنَ أبى طالبٍ، وابنَ عمرَ، وابنَ عباسٍ (٣٥)، وسعيدَ بنَ المُسيَّبِ، والقاسمَ، وسالمًا، وعُرْوَةَ، ومحمَّدَ [بنَ علىِّ] (٣٦) ابنِ الحُسينِ، ومَطرًا الورَّاقَ (٣٧)، ومالكًا. وهو قولُ أبى حنيفةَ. وذهبَ الشَّافعىُّ إلى إباحتِه. وحَكَىَ ذلك أصحابُه عن أبى هُرَيْرةَ، وسعيدِ بنِ المُسيَّبِ، وسعيدِ بنِ جُبَيرٍ. واحْتجُّوا بأنَّ الأصلَ الإِباحةُ، ولم يَرِدْ بتَحْريمِها نَصٌّ، ولا هى فى مَعنَى المَنْصوصِ (٣٨) عليه، فَتبْقَى على الإِباحَةِ. ويُفارِقُ الشِّطْرَنْجُ النَّرْدَ من وَجْهيْن؛ أحدهما، أَنَّ فى الشِّطْرَنْجِ تَدْبِيرَ الحَربِ، فأشْبَهَتِ (٣٩) اللَّعِبَ بالحِرابِ، والرَّمْىَ بالنُّشَّابِ، والمُسابقَةَ بالخيلِ. والثانى، أن المُعَوَّلَ فى النَّرْدِ ما يُخْرِجُه الكَعبتانِ (٤٠)، فأشْبَهَ الأزْلَامَ، والمُعَوَّلُ فى الشِّطْرَنْجِ على حِذْقِه وتَدْبِيرِه، فأشْبَهَ المُسابَقةَ بالسِّهامِ. ولَنا، قولُ اللَّهِ تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} (٤١). قال علىٌّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه: الشِّطْرَنْجُ من المَيْسِرِ (٤٢). ومَرَّ علىٌّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، على قومٍ يَلْعبون بالشِّطْرَنْجِ، فقال: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِى أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} (٤٢). قال أحمدُ:


(٣٥) انظر: ما أخرجه البيهقى، فى: باب الاختلاف فى اللعب بالشطرنج، من كتاب الشهادات. السنن الكبرى ١٠/ ٢١٢.
(٣٦) سقط من: الأصل. وهو أبو جعفر الباقر، الإمام، توفى سنة أربع عشرة ومائة. سير أعلام النبلاء ٤/ ٤٠١ - ٤٠٩.
(٣٧) مطر بن طهمان الوراق الخراسانى الزاهد، توفى سنة تسع عشرة ومائة. سير أعلام النبلاء ٥/ ٤٥٢، ٤٥٣.
(٣٨) فى م: "النصوص".
(٣٩) فى م: "فأشبه".
(٤٠) الكعبة فى النرد: ما يعرف اليوم بالزهرة. وهى قطعة مكعبة يبين على كل وجه منها نقاط تمثل رقما.
(٤١) سورة المائدة ٩٠.
(٤٢) أخرج اللفظان البيهقى، فى: باب الاختلاف فى اللعب بالشطرنج، من كتاب الشهادات. السنن الكبرى ١٠/ ٢١٢. وأخرج الأول ابن أبى شيبة، فى: باب فى اللعب بالنرد وما جاء فيه، من كتاب الأدب. المصنف ٨/ ٥٤٨. وأخرج الثانى أيضًا، فى: باب فى اللعب بالشطرنج، الكتاب نفسه. المصنف ٨/ ٥٥٠. وما اقتبسه على رضى اللَّه عنه، هو الآية ٥٢ من سورة الأنبياء.

<<  <  ج: ص:  >  >>