للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزُّهْرِىُّ، عن عُروَةَ، عن عَائشةَ، عن النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنَّه قال: "لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ وَلَا خَائِنَةٍ، وَلَا ذى غِمْرٍ عَلَى أَخِيهِ، وَلَا ظَنِينٍ فِى قَرَابَةٍ وَلَا وَلَاءٍ" (٦). والظَّنِينُ: المُتَّهمُ، والأبُ يُتَّهمُ لولدِه؛ لأنَّ مالَه كما لِه بما ذكرْناهُ، ولأنَّ بينهما بَعْضِيَّةً، فكأنَّه يشْهَدُ لنَفسِه، ولهذا قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّى، يَرِيبُنِى مَا رَابَهَا" (٧). ولأنَّه مُتَّهمٌ فى الشَّهادةِ لولدِه، كتُهمَةِ العَدوِّ فى الشَّهادةِ على عَدُوِّه، والخَبرُ أخَصُّ من الآياتِ، فتُخَصُّ به.

فصل: فأمَّا شهادةُ أحدِهما على صاحبِه، فتُقْبَلُ. نَصَّ عليه أحمدُ. وهذا قولُ عامَّةِ أهلِ العلمِ، ولم أجِدْ (٨) فى "الجامعِ" فيه خلافًا؛ وذلك لقولِ اللَّه تعالى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} (٩). فأمَرَ بالشَّهادةِ عليهم، ولو لم تُقْبَلْ لَما أمرَ بها، ولأنَّها إنَّما رُدتْ (١٠) للتُّهمَةِ فى إيصالِ النَّفْعِ، ولا تُهْمَةَ فى شهادتِه عليه، فوجَبَ أن تُقْبَلَ، كشهادةِ الأجْنبىِّ، بل أوْلَى، فإِنَّ شهادتَه لِنفسِه لمَّا رُدَّتْ للتُّهْمةِ فى إيصالِ النَّفعِ إلى نفسِه، كان إقْرارُه عليها (١١) مَقْبولًا. وحَكَى القاضى، فى "المُجردِ" رِوايةً أُخْرَى، أَنَّ شهادةَ أحدِهما لا تُقْبَلُ على صاحبِه؛ لأنَّ شهادتَه له غيرُ مَقْبولةٍ، فلا تُقبَلُ عليه، كالفاسقِ. وقال بعضُ الشَّافعيَّةِ: لا تُقبَلُ شَهادَةُ الابنِ على أبيه فى قِصاصٍ، ولا حدِّ قَذفٍ؛ لأنَّه لا يُقْتَلُ بقَتْلِه، ولا يُحَدُّ بقَذْفِه، فلا يَلْزَمُه ذلك. والمذهبُ الأَوَّلُ؛ لما ذكرْنا، ولأنَّه [يُتَّهمُ له ولا] (١٢) يُتَّهمُ عليه، فشهادتُه عليه أبْلَغُ فى الصِّدْقِ، كإقْرارِه على نفسِه.

فصل: وإن شَهِدَ اثْنانِ بطلاقِ ضَرَّةِ أُمِّهِما، أو قَذْفِ (١٣) زَوْجِها لها، قُبِلَت


(٦) تقدم تخريحه، فى: صفحة ١٥٢.
(٧) تقدم تخريجه، فى: ١١/ ٢٧، ٢٨.
(٨) فى أ، ب، م زيادة: "عن أحمد".
(٩) سورة النساء ١٣٥.
(١٠) فى الأصل، أزيادة: "له".
(١١) فى ب، م: "عليه".
(١٢) سقط من: أ.
(١٣) فى ب، م: "وقذف".

<<  <  ج: ص:  >  >>