للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَخُصَّ بها (٣٢) عَجَمِيًّا دونَ غيرِه، وأكثرُ ما كان النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَغْزُو العَرَبَ، ولأنَّ ذلك إجماعٌ؛ فإنَّ عمرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أرادَ الجِزْيَةَ مِن نَصارَى بنى تَغْلِبَ، فأَبَوْا ذلك، وسَأَلُوه أَنْ يأْخُذَ منهم مِثْلَما يأخُذُ من المسلمين، فأَبَى ذلك عليهم، حتَّى لَحِقُوا بالرُّومِ، ثمَّ صالَحَهم على ما يَأْخُذُه (٣٣) منهم عِوَضًا عن الْجِزْيَةِ (٣٤). فالمأخوذُ منهم جِزْيَةٌ غيرَ أنَّه عَلى غيرِ صِفَةِ جِزْيَةِ غيرِهم، وما أَنْكَرَ أخذَ الْجِزْيَةِ منهم أحَدٌ، فكان ذلك إجماعًا، وقد ثَبَتَ بالقَطْعِ واليَقِين أَنَّ كثيرًا من نَصارَى العرَبِ ويَهُودِهم، كانوا فى عَصْرِ الصّحابَةِ فى بلادِ الإِسلامِ، ولا يجوزُ إقْرارُهم فيها بغَيْرِ جِزْيَةِ، فثَبَتَ يَقِينًا أَنَّهُم أخَذُوا الجزْيَةَ منهم، وظاهِرُ كلامِ الْخِرَقِىِّ، أنَّه لا فرْقَ بينَ مَن دَخَلَ فى دينِهم قبلَ تَبْدِيلِ كِتابِهم أوَ بَعْدَه، ولا بين أَنْ يكونَ ابنَ كتابيَّيْن، أو ابنَ وَثَنِيَّين، أو ابنَ كتابِىٍّ ووَثَنِىٍّ. وقال أبو الخَطَّاب: مَن دَخَلَ فى دِينِهم بعدَ تَبْديلِ كتابِهم، لم تُقْبَلْ منه الجِزْيَةُ، ومَنْ وُلِدَ بين أَبَوين أحدُهما تُقْبَلُ منه الجِزْيَةُ، والآخَرُ لا تُقْبَلُ منه، فهل تُقْبَلُ منه؛ على وجْهَيْن. وهذا مذهَبُ الشافِعِىِّ. ولَنا، عمومُ النَّصِّ فيهم، ولأنَّهُم من أهلِ دِين تُقْبَلُ من أهْلِه الجِزْيَةُ، فيُقَرُّون بها كغيرِهم، وإنَّما تُقْبَلُ منهم الجِزْيَةُ إذا كانُوا مُقِيمين على ما عُوهِدُوا عليه، من بذْلِ الْجِزْيَةِ، والْتِزامِ أحْكامِ المِلَّةِ؛ لأنَّ اللَّه تعالَى أمَرَ بِقتالِهم حتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ، أى يَلْتَزِمُوا أداءَها، فما لم يُوجَدْ ذلك، يَبْقُوا على إباحَةِ دِمَائِهم وأَمْوالِهم.

فصل: ولا يجوزُ عَقْدُ الذِّمَّةِ المُؤبَّدَةِ إلَّا بشَرْطَيْن، أحدُهُما، أَنْ يَلْتَزِمُوا إعْطاءَ جِزْيَةٍ (٣٥) فى كلِّ حَوْلٍ. والثانى، الْتِزامُ أحْكامِ الإِسْلامِ، وهو قبولُ ما يَحْكُمُ بِه عليهم، من أداءِ حَقٍّ، أو تَرْكِ مُحَرَّم؛ لقولِ اللَّه تعالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (٣٦). وقولِ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فى حديثِ بُرَيْدَةَ: "فَادْعُهُمْ إلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ، فإنْ أجَابُوكَ، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، كفَّ عَنْهُمْ" (٣٧). ولا تُعْتَبَرُ حقيقةُ الإِعْطاءِ، ولا جَرَيانُ


(٣٢) فى أ: "به".
(٣٣) فى أ: "يأخذ".
(٣٤) أخرجه البيهقى، فى: باب نصارى العرب تضعَّف عليهم الجزية، من كتاب الجزية. السنن الكبرى ٩/ ٢١٦.
(٣٥) فى م: "الجزية".
(٣٦) سورة التوبة ٢١.
(٣٧) تقدم تخريجه، فى صفحة ٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>